Author

بعض الآثار الاقتصادية المتوقعة لقيادة المرأة

|

أحدث قرار السماح بقيادة المرأة للسيارة تفاعلا كبيرا بين المؤيدين والمعارضين له. وجاء القرار بعد جدل طويل بين مؤيدي ومعارضي قيادة المرأة، الذين بالغوا في تعداد حجم إيجابياته وسلبياته. سيزيل القرار الموانع الرسمية لقيادة المرأة ويعطي الأسر الخيار في السماح للمرأة بالقيادة من عدمها، ويحملها مسؤوليات ونتائج قيادة نسائها. سينتج عن هذا القرار آثار اجتماعية واقتصادية متعددة، حيث سيعزز استقلالية المرأة وقدرتها على الحركة واتخاذ القرار. وستركز هذه المقالة وبأقصى درجات الحيادية الممكنة على الآثار الاقتصادية المحتملة لهذا القرار.
من الآثار الاقتصادية المحتملة لقيادة المرأة زيادة الطلب على السيارات، حيث يتوقع ارتفاع عدد سائقي المركبات بأعداد تقارب النساء اللواتي سيدخلن معتركات الطرق. صحيح أن بعض الأسر ستتخلص من سائقي مركباتها ولكن التراجع في عدد هؤلاء سيكون أقل بكثير من الزيادة المتوقعة في عدد السائقات. عند البداية ستكون هناك طفرة في عدد سائقي المركبات بسبب عدد النساء المتعطشات للقيادة والمتقنات لها، واللواتي يحمل كثير منهن رخصا أجنبية أو يسقن في البراري. وبعد السنة الأولى من السماح بقيادة المرأة سينخفض نمو سائقي المركبات، وسيرتفع إذا كانت إيجابيات التجربة أكثر من سلبياتها بجدوى قيادة المرأة. أما على الأمد الطويل فستكون هناك زيادة كبيرة في إجمالي عدد سائقي المركبات وستزداد نسبة المركبات إلى عدد السكان ما يعني قفزة في عدد السيارات.
سيزيد نمو الطلب على السيارات من وارداتها ما سيثقل ميزان المدفوعات، ولكنه سيرفع من جدوى نشوء صناعة سيارات محلية. سيقود زيادة عدد المركبات إلى دعم قطاع الخدمات والسلع الداعمة والمرتبطة بالمركبات التي من أبرزها قطاعات مبيعات السيارات وقطع غيارها، وصيانتها، وتمويلها، والتأمين عليها، وتوفير الوقود لها. وتلعب صناعة المركبات دورا كبيرا في الحركة الاقتصادية لبلدان العالم عالية الدخل بسبب تشعب تأثيرها في الاقتصاد ككل. وقد تزيد مساهمتها والقطاعات المرتبطة بها على 15 في المائة من الناتج المحلي لبعض البلدان. تعاني أسواق المركبات المحلية في الوقت الحالي فتورا واضحا في الطلب، وقد يقود القرار إلى إنعاش هذه الأسواق وربما تعافي أسعار السيارات التي يذكر بعضهم أنها تعاني تراجعا. من المتوقع استفادة المصارف من زيادة الطلب على السيارات من خلال زيادة حجم التمويل، كما سترتفع إيرادات شركات التأمين بسبب متطلبات التأمين الإجباري. أما أسعار التأمين فقد ترتفع إذا كانت هناك زيادة في معدلات الحوادث وستنخفض إذا كان هناك تراجع في معدلاتها. تشير بيانات بعض الدول المجاورة إلى أن النساء أكثر التزاما بأنظمة المرور وأنهن أقل في نسب الحوادث، ولهذا فمن المرجح تراجع تكاليف التأمين في الأمد الطويل على السيارات نتيجة للقرار.
فيما يخص البنية التحتية فإن زيادة عدد السيارات وارتفاع إجمالي المسافات المقطوعة سيرفع الضغوط على الطرق، والمساحات المخصصة للمواقف، ومدارس القيادة، ومستلزمات وإدارات المرور. وهذا سيزيد متطلبات الاستثمار في البنية التحتية للمركبات، الذي يمكن تمويله جزئيا أو كليا من الغرامات والرسوم المفروضة على المركبات. سترفع زيادة أعداد المركبات الطلب على الوقود ما سيخفف أو يلغي تأثير إلغاء دعم الوقود ورفع أسعاره. وفي حالة إلغاء دعم الوقود فإن زيادة الاستهلاك المحلي منه سيكون حياديا بالنسبة لإيرادات الدولة ولكنه سلبي بالنسبة لميزان المدفوعات. وستؤثر زيادة استهلاك الوقود سلبا في البيئة ما لم تتحسن مواصفات الوقود والمركبات بيئيا.
سيزيد السماح بقيادة المرأة من تمكين المرأة - خصوصا المعيلة لنفسها أو أسرتها ـ وييسر وصولها إلى العمل والتعلم. من ناحية أخرى ستتضرر شركات التوصيل وسيارات الأجرة على الأمد الطويل من تراجع طلب النساء على خدماتها، وفي الوقت نفسه ستنخفض تكاليف النقل للكيلو متر بالنسبة للنساء والأسر. وبهذا سيرتفع طلب النساء على العمل والتعليم والتدريب ما يعني ارتفاع مشاركتهن في سوق العمل ويرفع الحاجة لتوفير مزيد من فرص العمل للمرأة. سيتعزز استثمار النساء في التدريب والتعليم ما سيزيد رؤوس الأموال البشرية المعززة لإنتاجية المرأة والمجتمع ككل. من المتوقع تراجع أعداد سائقي الأسر ما سيخفض من التحويلات إلى الخارج وهذا سيدعم ميزان المدفوعات، في المقابل قد يرتفع الطلب على العاملات المنزليات بسبب خروج المرأة أكثر للعمل والتعلم. في حالة قيادة المرأة ستتحمل مزيدا من مسؤوليات الأسرة، وخصوصا في مجال توصيل نفسها وأطفالها إلى المدارس والمستشفيات والترفيه والتسوق، ما يعني تفرغ الرجل بدرجة أكبر للعمل أو الترفيه، وهذا قد يساعد في خفض معدلات التسيب في العمل ويرفع من إنتاجية العمالة. أما بالنسبة لميزانيات الأسر فسيكون تأثير القرار مختلطا، حيث ستنجح بعض الأسر في خفض تكاليف النقل من خلال التخلص من سائقيها أو خفض المسافات المقطوعة، وسيساعد أسر أخرى على رفع دخلها من خلال تيسير حصول بعض أفرادها على عمل، بينما سترتفع تكاليف النقل للأسر التي ستزيد عدد سياراتها بدون إحداث أي تغييرات أخرى.

إنشرها