FINANCIAL TIMES

ألمانيا لم تصوت للتطرف

ألمانيا لم تصوت للتطرف

تعرضت ألمانيا لخضة عنيفة، وتعرضت أنجيلا ميركل لضربة. ويبدو حزب البديل لألمانيا (الذي يشجع العنصرية الوطنية) متسامحا بشكل غير مريح مع نازيي هتلر.
هناك حاجة لوضع الأمور ضمن منظور معين. صوتت بريطانيا لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي، وصوتت أمريكا لمصلحة دونالد ترمب. وفي برلين، الدعم المقدم لحزب البديل لألمانيا من قبل 12.5 في المائة من الناخبين الألمان لا يبدو وكأنه بدايات ظهور الرايخ الرابع.
من المفهوم أن كثيرا من الألمان يشعرون بالفزع من أن حزبا لديه كل هذه المشاعر العنيفة المعادية للأجانب استطاع خرق المحرمات التي كانت حتى الآن تستبعد اليمين المتطرف من البرلمان الاتحادي. ما عليك سوى أن تمشي بضع خطوات في العاصمة حتى ترى كيف تم الحفاظ على ذكريات أحلك الأيام التي مرت على ألمانيا ورعايتها باعتبارها حامية للديمقراطية الليبرالية اليوم.
لذلك في أوساط الأغلبية العظمى من الألمان الذين لم يدعموا حزب البديل لألمانيا، هناك خوف من أن وصول الحزب إلى البرلمان يمكن أن يعمل وبصورة دائمة على أن يخشوشن الخطاب السياسي للدولة. عندما يطالب حزب البديل لألمانيا بهدم المآذن ويقول إن ألمانيا ينبغي أن تتوقف عن الاعتذار عن النازيين، يمكن للذكريات أن تتحول إلى كوابيس.
يعتقد وزير الخارجية الأسبق، يوشكا فيشر، أن نجاح اليمين المتطرف "وصمة خزي وعار بالنسبة لألمانيا". ويخشى فيشر من أن تزداد الأمور سوءا، ما لم ينجح الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه أنجيلا ميركل في تشكيل ائتلاف مستقر مع حزب الديمقراطيين الأحرار، الليبرالي اقتصاديا، وحزب الخضر الذي يدافع عن البيئة. لا أحد يتظاهر بأن هذا الأمر سيكون سهلا.
القراءة الخاطئة لما حدث هي القول باضمحلال الوسط السياسي في ألمانيا. بالتأكيد عوقب أعضاء الحزب الديمقراطي المسيحي وشركاؤهم من الحزب الديمقراطي الاشتراكي في الائتلاف الكبير خلال فترة البرلمان السابق - حصل كلاهما على حصص تصويت منخفضة قياسيا. هناك حجة مقنعة مفادها أن دمج يمين الوسط مع يسار الوسط أغلق صمام الأمان للنقاش السياسي الأوسع نطاقا. بالتالي تركت ميركل بعض المجال للجناح اليميني لحزب البديل لألمانيا، في الوقت الذي قدم فيه الحزب الديمقراطي الاشتراكي مجالا أكبر لليسار المتطرف.
لكن ألمانيا لم تصوت للتطرف. لو استبعدنا حزب البديل لألمانيا وحزب "داي لينكي" الذي ظهر ما بعد الشيوعية، نجد أن ما يقارب أربعة أخماس الناخبين دعموا الأحزاب الرئيسية بشكل واضح جدا. التغيير هو أن التصويت للوسط أصبح مشتركا الآن بين أربعة أحزاب بدلا من اثنين أو ثلاثة.
حزب البديل لألمانيا، الذي نشأ في البداية جراء العداء لمنطقة اليورو، خاض الانتخابات بسبب قرار ميركل في عام 2015 فتح الحدود أمام أكثر من مليون لاجئ معظمهم من سورية. لم يكن هناك شيء في حملة الحزب اعتُبِر دون المستوى اللائق من التصرف. قالت الحملة إن الوافدين المسلمين إرهابيون، أو خلافا لذلك يسعون لطمس الهوية الوطنية. مع ذلك، تم تشارك القلق بشأن إدماج هؤلاء الوافدين الجدد من قبل عدد كبير من الناس يزيد كثيرا على عدد الذين صوتوا لمصلحة الذين يخافون من استقبال الأجانب. "لقد فعلنا الصواب، لكن لن نعيدها مرة أخرى"، بحسب ما سمعت كثيرين من أفراد الشعب الألماني العادي يقولون.
على المنوال نفسه، الأصوات التي فاز بها اليمين المتطرف كانت أكثر من مجرد تعبير عن القلق إزاء هجرة المسلمين. كان أداء حزب البديل لألمانيا أفضل في ألمانيا الشرقية سابقا - في أماكن استقبلت عددا قليلا من المهاجرين، لكنها تشعر بأنها متخلفة عن القسم الغربي الغني. لقيت برامج إدماج اللاجئين استياء من جانب الأشخاص الذين تخلت عنهم الدولة في أماكن مثل لايبزيج ودرسدن. وتساءلوا قائلين: "ماذا عنا؟".
عند هذه المرحلة، لعبة أنصار حزب البديل لألمانيا تلتقي مع لعبة أنصار الرئيس ترمب في الولايات المتحدة، وأنصار خروج بريطانيا في المملكة المتحدة، وأنصار مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا. هم يقولون إن اللوم في كل المشاكل يقع على العولمة و"الأجانب"، سواء أكانوا يهودا أم مسلمين. مع ذلك، كانت ردة الفعل العنيفة في ألمانيا ذات نطاق أصغر بكثير. فازت لوبن بأكثر من ثلث الأصوات الفرنسية في محاولتها الوصول إلى سدة الرئاسة. وصوت أكثر من نصف الشعب البريطاني للانفصال عن قارتهم.الخطر الآن لا يكمن في أنه سيتم اكتساح ألمانيا من قبل اليمين المتطرف، بل في أن السياسيين في التيار الرئيسي سيتجهون إلى التركيز على مشاكلهم ردا على حزب البديل لألمانيا. جبن ميركل المحسوب أدى في نهاية المطاف إلى خسارتها الدعم أثناء الحملة الانتخابية. وعملية بناء الائتلاف الصعبة، التي اقتضتها نتيجة الانتخابات، ربما تغريها بتكرر الخطأ.
الانقسام السياسي المهم اليوم ليس الانقسام بين اليمين واليسار التقليدي، بل بين الذين يعلمون أن أفضل سبيل لمواجهة تحديات العصر هي الجهود المشتركة بين الدول المتشابهة في طريقة التفكير وبين الذين يرغبون في وضع حواجز على الحدود. تعرض دعاة الفكرة الأولى للطمس بسبب الغضب الذي أبداه المهجَّرون والمحرومون. ولا عليك من أن الشعبويين يخادعون الناس.
تعد ألمانيا الآن حالة اختبارية. تسببت النزعة القومية في تعريضها للخراب، ووفرت لها النزعة الأوروبية نقطة استناد لأمنها ورخائها. ليس هناك أي بلد ديمقراطي أكثر من ألمانيا يعتمد بشكل أكبر على نظام دولي مفتوح قائم على قواعد. بالتأكيد، يمكنك اعتبار ديون اليورو مضمونة من قبل برلين. لكن اقتصاد ألمانيا الحديث يحيا ويموت من خلال قدرتها على الوصول إلى الأسواق الخارجية.
راهن إيمانويل ماكرون يضع عينه باستمرار على الميدان السياسي اليميني من خلال مجموعة واسعة من المقترحات لتحقيق مزيد من التكامل والاندماج في الاتحاد الأوروبي. كانت الاستجابة الفورية من جانب برلين تتسم بالحذر: ميركل، كما يقال، ليس لديها المجال السياسي. لكن تحدي طموحات الرئيس الفرنسي يعني تفويت الفكرة. يجب أن تكون الاستجابة للعولمة مسعى جماعيا لحماية وتعزيز الرفاه الوطني. وهذه ليست الحجة التي ينبغي تقديمها من وجهة نظر دفاعية. إن كنت تبحث عن واحدة، إليك الدرس المستفاد من الانتخابات الألمانية.

* الكاتب حاليا زميل كرسي ريتشارد فون فايتسيكر، في أكاديمية روبرت بوش في برلين.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES