Author

انكشاف ضعف القرار الاستثماري للنظام القطري

|

بينما صندوق الاستثمارات العامة السعودي يعلن عن استثمارات بالمليارات داخليا وخارجيا، تقوم قطر حاليا ببيع استثماراتها العالمية واحدا تلو آخر، وها هي القرارات المتعجلة يتبع بعضها بعضا، فقد قام صندوق قطر الاستثماري ببيع مبنى إداري بالحي المالي بلندن، وقبلها باع حصة من الأسهم في شركة تيفاني آند كو، وسبق للصندوق القطري أن قلص أسهمه المباشرة في مجموعة "كريدي سويس" إلى 4.94 في المائة. ويمكن التوصل إلى عديد من الاستنتاجات حول الأسباب الحقيقية خلف هذه الموجة من البيع التي تشهدها استثمارات قطر، لكن من المؤكد أن أكثرها قبولا هو ما يتعرض له الاقتصاد القطري من ضغوط هائلة نتيجة المقاطعة المستمرة من دول الجوار، خاصة السعودية، وها هي قطر تعرف حجم المملكة وأهميتها وقدرتها على ضمان استدامة الاقتصاد القطري، وأن على حكومة قطر الحالية إذا كانت تريد المصلحة لاقتصادها فعلا أن توافق على الشروط التي وضعتها المملكة.
لكن المسألة الأخرى ذات الأهمية التي يجب على الشعب القطري فهمها، هي حجم الأخطاء الكارثية التي وقع فيها النظام القطري الحالي، وتسبب في كل هذه الأوضاع المتأزمة للاقتصاد والشعب القطري، فبخلاف الخيارات السياسية الخاطئة، ومعاداة دول الجوار، فإن النظام يعاني تخبطا في الرؤية الاقتصادية في جوانبها الاستثمارية، وهو التخبط الذي لا يختلف عن أداء الاقتصاد القطري ككل. فقد جاء تخارج جهاز قطر للاستثمار بشكل شبه كامل من شركة روسنفت خلال الأسبوع الماضي، ليضع دليلا لا يدحض على هذا التخبط، وفي هذا يؤكد رئيس شركة روسنفت أن صفقة التخارج هذه تعد حدثا مهما، كونها تشكل بصورة نهائية هيكل المستثمرين للشركة، كما أعرب عن رضاه عن أن الشركة الصينية هي التي اشترت حصة في "روسنفت" من تحالف قطر، وهذه رسالة واضحة على رغبة المستثمرين العالميين والشركات العالمية في التخلص من استثمارات قطر وتوجهاتها التي قد تقود مؤسساتهم الاقتصادية إلى المخاطر.
إذا فالنظام في قطر يعاني الآن الانكشاف الكامل، فقد كان يستطيع تغطية مشاكله الاقتصادية الداخلية من خلال العلاقات الاقتصادية القوية مع دول الجوار خاصة المملكة، ولكن ها هو الاقتصاد القطري ينكشف داخليا الآن مع العجز العام، وإذا كانت قطر قد روجت كثيرا لقوتها الاقتصادية من خلال استثماراتها العالمية فها هي هذه الاستثمارات تتهاوى وتنكشف أيضا، ويتضح للعالم والشعب القطري خاصة أن المسألة لم تكن ترتبط بعقلانية اقتصادية بل هو التركيز على البهرجة الإعلامية في مجال الاستثمار. فمنطق قطر في استثمار الفوائض المالية من بيع الغاز في الأسواق العالمية، الذي ساد قبل تأسيس أذرعها الاستثمارية، هو الوضع ذاته الذي ساد في مرحلة بناء استثماراتها، حالة من التخبط وعدم وضوح الرؤية، والسبب الظاهر لكل هذا الوضع المتأزم في الاقتصاد القطري يعود إلى السبب نفسه في الأزمة السياسية القائمة مع دول الجوار، قطر تتخذ قراراتها عبر مجموعة ضيقة ومحدودة للغاية تفتقد الكفاءة المطلوبة لاتخاذ أي قرار سياسي أو استثماري حقيقي.
ورغم حدة الأزمة التي تواجهها قطر سياسيا واقتصاديا، فلا يزال النظام في قطر بعيدا كل البعد عن مواجهة الحقائق ومعالجة الأخطاء، ويبذل النظام القطري جهدا للبقاء اعتمادا على سياسته في البهرجة الإعلامية مع غياب الشفافية، فنظرا لغياب الشفافية يغيب الشعب القطري عن معرفة الوضع القائم وقدرته على الصمود وهناك ضبابية يتعمدها النظام لإخفاء تفاصيل الصفقات الاستثمارية بطريقة تدعو إلى الريبة، وهو ما دفع كثيرا من المحللين الاستثماريين إلى التشكك في دقة الأرقام التي يعلنها الجهاز، التي تتناقض في أغلب الأحيان مع الحقائق على أرض الواقع.

إنشرها