Author

العالم ومتاهة الاقتصاد الجديد

|
هل إن نظريات وأطروحات علم الاقتصاد بلغت حد التشبع أم إنها وصلت إلى نهاية التاريخ؟ وبمعنى آخر.. هل إن زخم الرؤى الاقتصادية التي يمنح بعض علماء الاقتصاد فيها جوائز نوبل وغيرها لا تجد سبيلها لأن تكون فاعلة في الميدان الاقتصادي، على النحو الذي سارت فيه مدارس الاقتصاد الكلاسيكي وما بعدها سواء رأسماليها أو اشتراكيها، أم أن نوع الإضافة المعرفية والرؤية ليست بذي بال كما كان الأمر في السابق؟ وبالتالي فالفكر الاقتصادي يعاني انسدادا، وبما يشبه القول، لا جديد سوى منظورات جزئية ليس بوسعها أن تقدم حلولا ناجعة للمشاكل الاقتصادية التي يواجهها عالمنا الراهن؟ هذه الأسئلة، ليس من السهولة الإجابة عنها بالقول الفصل، لأن الإجابة مهما كانت ستواجه بمرافعة لمصلحة مرجعية الأسباب في تعقيدات السياسة في عالم اليوم، فقد أسفرت العولمة عن انفجار في التنافس وسيولة في الصفقات، كما أسفرت في الوقت نفسه عن تضارب في منظومة القوانين التي تسنها الدول من جانب لحماية اقتصاداتها ومنظومة قوانين منظمة التجارة العالمية وغيرها من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ناهيك عن الهيئات والمنظمات الإقليمية. إذن.. فالاقتصاد الجديد، في عصر العولمة، لا يشكو فقرا في فكره، أو بالأصح لا يمكن القطع إن المسألة هي شح في الإبداع في الفكر الاقتصادي على مستوى التنظير العالمي. وإنما يشكو غلبة السياسي على الاقتصادي، وأن السياسي فوق ذلك لا يعمل بذاته وإنما يعمل لمصلحته ومعه أيضا تقنيات المعلومات وبالمجمل القوة الناعمة.. والإشكالية أن السياسي بالقوة الناعمة يمارس قوة خشنة كلما شاء له أن يفعل ذلك ما يجعل الفكر الاقتصادي يزاح أو يؤجل أو يستثمر على نحو نفعي لمصلحة شركات – أحيانا – بعينها أو لمصلحة – دولة – أحيانا أخرى – بعينها وكلاهما يجد من المسوغات ما يبرر به استثناء نفسه والتملص من الشراكة الدولية بروح الجماعة للخلاص من هذه الأزمات التي تطحن العالم. فعلى الرغم من اجتماعات دول قمة الـ20 وعلى الرغم من الشراكات الاقتصادية والاستثمارات العابرة للقارات وتوازع الدول لصناعات من المركز إلى الأطراف، فما زال شبح الأزمة جاثما في الدروب، منذ 2008، وقد سال حبر وقول كثير في تبرير وتحليل ما حدث، سواء في المضاربة على دور السياسات المالية وحرية السوق، وعلى أنها هي التي أدت إلى تخثر الاقتصاد الحقيقي، أو فيما ذهب إليه آخرون من أن الاقتصاد الحقيقي، أي القطاعات الإنتاجية كانت تعمل وبشكل أفضل مما سبق ومع ذلك حدثت الأزمة، لكن في الحالتين أطل مشجب الفساد وتم تعليق معضلة الأزمة عليه. وإذا نحن تحاشينا الحديث عن السياسة المالية أو السياسة الاقتصادية كي نركز الأسباب في مسألة الفساد، نكون قد عدنا من حيث أشرنا، إلى أن غلبة السياسي وطغيانه على الاقتصادي هي ما جعلت الفكر الاقتصادي الجديد تحت الوصاية يستثمر بانتهازية لمصلحة شركات أو دول بعينها ويتم استثناؤه أو حجب رؤاه وفاعلية أدواته عن الآخرين، فيسير العالم باحثا عن حلول هي في حكم الجاهز لكنها بقيت في نطاق لعبة السياسة ولم تنفع معها كل المؤتمرات التي ظلت تتحدث عن الخروج من الأزمة، ليبقى الخروج مقصورا على من لديه تلك الأدوات الاقتصادية الجديدة فحسب. الخلاصة، لا يعاني الفكر الاقتصادي انسدادا ولا بلغ مرحلة التشبع ... وما لم يصل السياسي إلى قناعات مشتركة بأن مصير العالم سيتوقف على كبح شهية الهيمنة والاحتكار فستظل صرخات مبدعي علم الاقتصاد عرضة للضياع في أودية التنكر لاستحقاق المصير المشترك للبشرية جمعاء، وليظل حل الأزمة يتم على حساب تأزيم الآخرين.. ويبقى الحال على ما هو عليه .. ما لم يبلغ العقل السياسي العالمي سن الرشد .. ففي الأرض خير ومتسع للجميع!
إنشرها