FINANCIAL TIMES

مهمة شائكة أمام الرئيس لترويض عمالقة الصناعة الكوريّة

مهمة شائكة أمام الرئيس لترويض عمالقة الصناعة الكوريّة

مهمة شائكة أمام الرئيس لترويض عمالقة الصناعة الكوريّة

هي أسماء تجارية عالمية معروفة على كل لسان، وتمثل جزءا كبيرا من الاقتصاد الوطني، ولكن وسط مزاعم المحسوبية، فإن الرئيس مون جاي إن واقع تحت الضغط لكبح جماح أكبر شركة ضمن التكتل الشهير (المعروف باسم شايبول).
احتمى عمال الملهي الليلي الخمسة في الظلال عندما انقض عليهم 12 شخصا من البلطجية. كانوا قد اختطفوا من مكان عملهم في قلب وسط سيؤول عاصمة كوريا الجنوبية، ونقلوا إلى مستودع مهجور حيث تعرضوا للضرب بالأنابيب الفولاذية والهراوات الصاعقة.
قال كيم سونج يون، الذي كان يشرف على هذا الهجوم الوحشي، في وقت لاحق للشرطة إنه تدخل لتسليم "عدة خطافات". أدين كيم في عام 2007 لدوره في الهجوم، لكنه تلقي حكما مع وقف التنفيذ.
في عام 2012، أدين مرة أخرى، وهذه المرة بسبب الاختلاس وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات، ولكن أفرج عنه بعد فترة وجيزة لأسباب صحية.
كيم هو رئيس أحد أبرز وأكبر التكتلات في كوريا الجنوبية، هانوها، في الوقت الذي أدين فيه بالجريمتين السابقتين.
بالنسبة إلى النقاد، قضيته تجسد الاعتقاد الراسخ بأن قادة الشركات في كوريا الجنوبية، هم فوق القانون وقريبون فوق الحد من القادة السياسيين في البلاد.
على أنه بعد فضيحة الفساد التي اجتاحت البلاد خلال كثير من الأشهر العشرة الماضية، وكشفت عن محسوبية متفشية في رابع أكبر اقتصاد في آسيا، هناك طلب متزايد لتغيير السلطة التي لا رادع لها للتكتلات التي تديرها العائلات، والمعروفة باسم شايبول.
قلة من الناس هي التي تسعى إلى تفكيك المجموعات، ولكن الإصلاحيين يريدون مزيدا من الرقابة وإنفاذ القواعد والأنظمة القائمة.
يقول بارك سانج، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيؤول الوطنية: "أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للإصلاح الأساسي لشايبول. ويضيف: "فهم الشعب الكوري للمشاكل الناجمة عن الشايبول، ورغبة المواطنين في تغيير جوهري للهيكل السياسي والاقتصادي هي الآن أعلى من أي وقت مضي".
بدأ الغضب الشعبي الذي جلب مئات الآلاف إلى الشوارع في عام 2016، ومرة أخرى في وقت سابق من هذا العام أخذ ينتشر خلال سياسة الحكومة.
وحتى مع تصدي الحكومة لأزمة كوريا الشمالية، اتخذت الإدارة في عهد الرئيس مون جاي، الذي انتخب في أيار (مايو) الماضي، خطوات مؤقتة نحو تضييق هيمنة حفنة من التكتلات القوية.
هذه المسألة ليست حاسمة للحوكمة ومسؤولية الشركات فحسب، بل أيضاً لآفاق اقتصاد البلاد على المدى الطويل، في ظل مساحات واسعة اختنقت بسبب الوجود الثقيل لشركات من أمثال سامسونج وهيونداي ولوت.
وتمثل القيمة السوقية المجمعة لأكبر خمس مجموعات أكثر من نصف مؤشر كوسبي، وهو مؤشر الأسهم الكوري الرئيس.
ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول ما إذا كان قادة الإصلاح المؤسسي والاقتصادي سيكونون قادرين على مواصلة المعركة، وما إذا كان البديل سيرضي تطلعات المواطنين من كوريا الجنوبية.
يقول بروس لي، الرئيس التنفيذي لشركة زيبرا إنفستمنت مانجمنت، وهو صندوق تحوط مقره سيؤول: "الأمر يتعلق بالتوازن. إذا تسبب إصلاح شايبول في تدهور الاقتصاد، فإن الحكومة ستنهيه. إذا كان الاقتصاد قادرا على الحفاظ على النمو فإن الإصلاح سيتعزز".

التواطؤ مع السياسيين
أثبت إصلاح الشركات في كوريا الجنوبية في كثير من الأحيان أنه عابر. في الشهر الماضي شهدت الأمة ما يعتقد كثيرون أنه يمكن أن يكون لحظة فاصلة عندما حكمت المحكمة على لي جاي - يونج، الوريث ورئيس شركة سامسونج بحكم الأمر الواقع، بالسجن خمس سنوات لرشوة الرئيسة السابقة بارك جيون هاي.
مجموعة سامسونج، التكتل المترامي الأطراف الذي يتألف من 62 شركة تابعة تغطي كل شيء من الإلكترونيات إلى المستحضرات الصيدلانية والصناعة الثقيلة، هي حصن الاقتصاد الكوري الجنوبي.
وتمثل كياناتها الـ 16 المدرجة في البورصة وحدها نحو 30 في المائة من مؤشر كوسبي، ما يجعل لي إذا أمكن قول ذلك، أقوى فرد في البلاد.
الآن، يأمل كثير من الخبراء بأن إدانته، إذا لم تنقضها محكمة الاستئناف، ستثبت أنها طلقة الافتتاح في المعركة لتفكيك العلاقات العميقة بين الشركات الكبيرة والسياسة والقضاء.
يقول كيم وو تشان، الأستاذ في جامعة كوريا وخبير في إدارة الشركات: "هذه لحظة مهمة جدا بالنسبة لكوريا الجنوبية. إنها إشارة مهمة للشركات بعدم العودة إلى الممارسات القديمة القائمة على التواطؤ مع السياسيين الفاسدين".
كان كبار التنفيذيين ربما يتوقعون في الماضي عقوبات مع وقف التنفيذ أو صدور عفو رئاسي. بيد أن إدارة مون تعهدت بإلغاء هذه الممارسات.
وقال البروفيسور كيم: "إذا تم تأييد الحكم بعد الاستئناف، فسيكون ذلك فرصة جيدة لتحسين نظام شايبول، ولكن أيضا فرصة لإصلاح مجموعة سامسونج".

دور ما بعد الحرب الكورية
تاريخ التكتلات التي تمتلكها العائلات في كوريا الجنوبية يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الدولة. في أعقاب الدمار الذي خلفته الحرب الكورية في أوائل الخمسينيات، تحول زعيم كوريا الجنوبية، بارك تشونج هي، إلى التكتلات للمساعدة في إعادة بناء البلاد في الستينيات والسبعينيات.
وفي الوقت الذي كانت تنمو فيه الأمة، توسعت كذلك العلاقة بين السياسة والشركات الكبيرة، مع استفادة كل جانب من استغلال النفوذ المؤسسي – والمعاملة الخاصة.
كان من الممكن الاعتماد على شايبول لتوفير فرص العمل، وفي المقابل يحصلون على سهولة الوصول إلى العقود الحكومية، واقتصاد مسيّج لمنع دخول اللاعبين الأجانب.
وفي الوقت الذي تصبح فيه التكتلات أكثر ثراء، ازداد نفوذها إلى المحاكم ووسائل الإعلام. فالصحف مدعومة ماليا بإعلانات الشايبول، ما يجعل المحررين مترددين في التحقيق أو انتقاد مخالفات الشركات. وفي الوقت نفسه، فإن الشركات تتودد للقضاء عن طريق الإغراء بفرص العمل في المستقبل أمام القضاة أو المحامين الناشئين.
غير أن نموذج الأعمال المذكور - الذي كان مسؤولا إلى حد كبير عن تحول كوريا الجنوبية من بلد متخلف ضعيف، إلى واحد من أكثر اقتصادات العالم تقدما من الناحية التكنولوجية - بدأ في التراجع في السنوات الأخيرة.
خلال الاحتجاجات الجماهيرية، صب المواطنون جام غضبهم وزخات من الازدراء على أسلوب المحسوبية والتعاملات خلف الكواليس التي كان يتبعها لي، الذي أدين بتهمة رشوة السيدة بارك لتأمين الدعم للاندماج المثير للجدل الذي عزز قبضته على مجموعة سامسونج.
هذه الموجة من الاضطرابات وقعت في ظل خلفية من البطالة المتزايدة - حيث يعاني نحو تسعة في المائة من الشباب البطالة - وتسببت في تباطؤ النمو الاقتصادي، ما أثار تساؤلات عما إذا كانت هذه المجموعات ذات الثروات الضخمة لا تزال تستدعي معاملة خاصة.
وقد اشتكت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أيضا بمرارة من أن سيطرة شايبول على سلاسل التوريد والأسعار تخنق أعمالهم.
يقول الأستاذ بارك: "المشكلة الأساسية للشايبول، وخاصة مجموعة سامسونج، هي تركيز القوة الاقتصادية. وبما أنها تسيطر على كثير من الموارد الاقتصادية، فإنه يمكنها بالتالي التأثير في السياسة والإعلام والنظام القانوني للمصالح الخاصة للأسر المالكة للشركات. كما أنها تعوق الاقتصاد من الانتقال إلى نموذج قائم على الابتكار".
وينبع كثير من الغضب الشعبي من الممارسات الشنيعة علنا، مثل تجنب الضرائب أو استخدام العفو الرئاسي للتنفيذيين المدانين بالفساد.
وهناك جوانب أخرى لإصلاح شايبول أكثر تعقيدا وتركز على تفكيك شبكة الأسهم المشتركة، التي تسمح للأسر المؤسسة بممارسة السيطرة والازدهار على حساب مساهمي الأقلية.
يشكو الناشطون أيضا انعدام الرقابة، ما يشير إلى ندرة أعضاء مجلس الإدارة والمدققين المستقلين.
ويعتقد أن الافتقار إلى الشفافية مسؤول جزئيا على الأقل عن "ظاهرة الخصم في كوريا" حيث يتم تداول الشركات المحلية بمضاعِفات أقل من نسبة السعر إلى الأرباح من نظيراتها العالمية.
كما أن ممارسة التداولات فيما بين المجموعات - حيث يتم تسليم العقود من كيانات شايبول المدرجة في البورصة، إلى الشركات التابعة المملوكة من القطاع الخاص دون عملية تقديم العطاءات - أيضا تثير غضب النشطاء. بالنسبة لمعظم الخبراء، يتوقف نجاح إصلاح شايبول على تصميم مون على إعادة تنظيم اقتصاد كوريا الجنوبية. وسيتعرض الرئيس الذي تعهد بإنهاء استخدام العفو الرئاسي للتنفيذيين الفاسدين لضغوط شديدة للإفراج عن لي وريث إمبراطورية سامسونج.
وكما يقول أحد رجال الأعمال في شركة كبيرة متعددة الجنسيات في سيؤول: "ستكون المهمة صعبة جدا [إصلاح شايبول]. لا أعتقد أن هذه الحكومة يمكن أن تفعل ذلك في غضون سنوات قليلة. الأمر سيستغرق قيادات كبيرة لإقناع شايبول بأن هذا لا يتعلق بالقصاص ولكن بالشفافية".
عين مون اثنين ممن لهم باع طويل ونشاط قوي في مجال حوكمة الشركات لتولي أمور شايبول: كيم سانج جو وجانج ها سونج.
وبصفته رئيسا للجنة التجارة العادلة، وهي أكبر هيئة لمكافحة الاحتكار في البلاد، كان كيم قد أوضح نواياه من قبل، حيث قال أخيرا لوسائل الإعلام المحلية: "إذا لم تبد شايبول تغييرا إيجابيا أو استعدادا للإصلاح بحلول كانون الأول (ديسمبر) المقبل، فإننا لن يكون أمامنا خيار سوى التدخل في فرض وصفات هيكلية". استجابت شركة التجزئة لوت لهذه العلامات، حيث أعلنت عن خطط لتبسيط هيكل مجموعتها. ستقوم شركة سامسونج برسم الخطوط العريضة لمسائل الحوكمة في تقرير في وقت لاحق من هذا الشهر، لكنها تقول منذ الآن إنها لن تعتمد هيكل شركة قابضة يمكنه، من الناحية النظرية، توفير مزيد من الشفافية على ملكية الشركات التابعة.
يقول تشانج سي جين، الأستاذ في الجامعة الوطنية في سنغافورة: "الآن أصبح الأمر مجرد مسألة إنفاذ". ويضيف: "لدينا في الأصل كل القواعد والقوانين التنظيمية".

وعود أُخلِفت
في ظل الرؤساء السابقين، بمن فيهم السيدة بارك، التي فازت في انتخابات عام 2012 بسبب تقديمها التزاما بإصلاح شايبول، وسلفها لي ميونج باك، كانت التجاوزات في الشركات العائلية خاضعة للتنظيم الخفيف، وسط مخاوف من أن محاولات إصلاح الحوكمة من شأنها الإضرار بالاقتصاد.
تحول مون علنا من فكرة أن نجاح شايبول "ينتشر بالتدريج" داخل المجتمع. وهو الآن يركز بدلا من ذلك على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وسياسة النمو القائم على الدخل، سعيا إلى خلق أجور واستهلاك واستثمار وفرص عمل أعلى.
كوريا الجنوبية هي موطن لنحو ثلاثة ملايين من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي توظف أكثر من 85 في المائة من السكان البالغين.
ومع ذلك، فإن كثيرا من هذه الشركات يعاني ضعفا في الأداء، كما أن متوسط المرتبات هو في حدود 70 في المائة فقط من أجور تلك التكتلات الكبيرة.
وفي تموز (يوليو) الماضي، أطلقت إدارة مون وزارة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تراجعت في تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "أوسيد" بسبب افتقارها إلى روح المشاريع.
يقول البروفيسور تشانج: "شايبول يضغط على الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى مستوى لا يمكن أن تستثمر فيه".
يعتقد المحللون أنه في حين أن النهج الجديد للإدارة قد يخفف الضغط على البطالة، إلا أن من غير الواضح ما إذا كانت السياسات يمكن أن تترجم إلى نمو طويل الأجل.
ومن المرجح أيضا أن شايبول ستبدأ في التصدي لذلك إذا، وعندما تتراجع شعبية مون.
يقول الأستاذ بارك: "أفضل سلاح لشايبول ضد الإصلاح هو دعاية ’الخوف‘. وسيجادلون بأن إصلاح شايبول ربما يعرض الاقتصاد الكوري للخطر".
يقول آخرون إن هناك علامات واضحة منذ الآن على سقوط عمالقة الشركات الكورية. يقول الأستاذ كيم: "سيحاولون القيام بأي شيء للاحتفاظ بالسلطة، لكن من وجهة نظري، نظام شايبول سيستمر لجيل واحد أخير فقط"، مضيفا أنه سيكون من المستحيل على توريث السلالات أن يستمر إلى ما بعد الجيل الحالي من القادة.
هذه فكرة تتردد أصداؤها في مختلف أنحاء عالم الشركات. يعتقد كثير من الناس أن الجيشان الذي وقع في السنة الماضية سيفرض تحولا تدريجيا من السيطرة بأيدي العائلات إلى الإدارة المهنية الاحترافية.
يقول مايك تشو، رئيس "خدمة الحوكمة في الشركات الكورية": "ساهمت شايبول مساهمة كبرى في كوريا الجنوبية، لكن المجتمع تغير، وينبغي أن تتغير شايبول كذلك. على الأمد الطويل، سيكون لدينا اقتصاد أفضل نتيجة لذلك".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES