FINANCIAL TIMES

«بيلد» .. صحيفة دعمها يمنح السياسيين قوة في ألمانيا

«بيلد» .. صحيفة دعمها يمنح السياسيين قوة في ألمانيا

"أنا بحاجة إلى بيلد. بيلد يوم الأحد والتلفزيون من أجل أن أتولى الحكم". هكذا قال جيرهارد شرودر، المستشار الألماني الأسبق، في جملة لخّصت قوة الصحيفة الأكثر تداولاً في ألمانيا.
"بيلد" هي واحدة من المؤسسات الإعلامية الكبيرة في أوروبا - صحيفة يومية شعبية تمزج بين شائعات المشاهير وقصص الجرائم العنيفة ومواضيع السبق الصحافي السياسية المؤذية لأصحابها. وتُقرأ تماماً بشوق من قِبل أعضاء البرلمان والوزراء في برلين بقدر ما تُقرأ من قِبل البنائين في فترة استراحتهم.
وفي الوقت الذي تستعد فيه ألمانيا للتصويت في انتخابات وطنية بعد أيام، يُمكن أن تُقدّم الصحيفة دفعة لأنجيلا ميركل في الوقت الذي تسعى فيه لفترة ولاية رابعة. ولطالما اتّهم النقاد الصحيفة بمنح قائدة ألمانيا "رحلة سهلة جداً".
إنها تهمة يرفضها جوليان ريخيلت، رئيس تحرير "بيلد"، الذي يقول: "من الخطأ الاعتقاد أننا نمتنع عن انتقاد أي شخص، أو أن لدينا نوعا من التحيّز، أو التعاطف السياسي. نحن نصف الأمور كما نراها". ويضيف أن الصحيفة أوضحت في مقالاتها أن "حملة انتخابات ميركل تُهدد بإصابة ألمانيا بالخمول".
لكن بعض المواضيع التي تنشرها عن منافس ميركل من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، مارتن شولتز، وحشية. "اليونانيون المُفلسون سينتخبون شولتز من الحزب الديمقراطي الاشتراكي"، كما جاء في أحد المقالات في نيسان (أبريل)، وقد ظهر وهو يُصافح رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس.
قد لا تدّعي "بيلد" أنها هي التي تحدد نتيجة الانتخابات، كما فعلت "ذا صن" البريطانية ذات مرة. وإذا كانت استطلاعات الرأي صحيحة فمن المؤكد أن تكتل ميركل السياسي، المؤلف من حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاشتراكي المسيحي سيفوز في انتخابات 24 أيلول (سبتمبر).
بطرق أخرى "بيلد" لا تستطيع أن تدعي الآن أنها صوت الشعب مثلما كانت من قبل. فقد انخفضت مبيعاتها المطبوعة من 4.4 مليون في عام 2001 إلى نحو 1.6 مليون الآن. وكثير من قرّائها اليمينيين من الطبقة العاملة توقفوا عن قراءتها تماماً. وهذا علامة على القبضة الضعيفة للتيار السياسي السائد، وتحويل مزيد من الناخبين ولاءهم من الأحزاب السياسية التقليدية إلى مجموعات متطرفة، مثل حزب "البديل لألمانيا" الشعبوي، AfD.
يقول مارسيل جارتز، وهو باحث في كلية هامبورج للإعلام: "مع صعود حزب البديل لألمانيا نرى أن هناك وسائل إعلام جديدة، صغيرة، يمينية قد تشكّلت بشكل رئيس على الإنترنت وعلى فيسبوك، واكتشفت قرّاء جُددا لنفسها – قرّاء يشعرون بخيبة أمل من وسائل الإعلام السائدة".
أحد الأمثلة هو "دويتشلاند-كورير"، وهي صحيفة جديدة يُطلق عليها "بيلد لناخبي حزب البديل لألمانيا". الصحيفة التي أُطلقت لمكافحة ما تدعوه "النزعة اليسارية لوسائل الإعلام الألمانية"، يكتب فيها بيتر بارتيلز، رئيس تحرير "بيلد" السابق.
على الرغم من الانخفاض في التداول، إلا أن "بيلد" تحتفظ بصوت قوي وعلاقات وثيقة مع المؤسسة في برلين. فريده سبرينجر، أرملة مؤسس "بيلد"، أكسيل سبرينجر، ومالكة شركة الإعلام التي تحمل اسمه، هي صديقة جيدة لميركل. وكانت المستشارة ضيفة في حلف الصحيفة السنوي "بيلد 100" هذا الشهر، وهو احتفال ساحر يجمع بعضا من أكبر الأسماء في برلين في مجال السياسة والأعمال والثقافة.
يقول ماركوس زينر، رئيس قسم الصحافة في جامعة العلوم التطبيقية للإعلام والاتصال والإدارة في برلين: "القُرب من القوة السياسية دائماً ما كان أمراً مهماً جداً لصحيفة بيلد. لكن دائماً ما تكون هناك نتيجة غير سارة عندما تكون وسائل الإعلام والسياسة قريبتين إلى هذه الدرجة".
كذلك الحزب الديمقراطي الاشتراكي يولي اهتماماً وثيقاً لصحيفة "بيلد" واستقطب بيلا أندا، وهي كبيرة محررين سابقة، للعمل مستشارة غير رسمية لشولتز بعد كتابتها مقالة تُشير إلى كيف يُمكن لزعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي إعادة حملته إلى المسار الصحيح.
أحياناً علاقة "بيلد" مع السياسيين تكون أقل ودية. لقد لعبت دورا كبيرا في الإطاحة بكريستيان فولف، الرئيس الألماني الأسبق، الذي استقال في عام 2012 بعد مواجهة مزاعم الفساد. يقول البروفيسور زينر: "لا يُمكنك النجاة سياسياً إذا كانت صحيفة بيلد عدوتك".
وانتقدت الصحيفة ميركل بوحشية بسبب عمليات إنقاذ اليونان، وأدانت اليونانيين بشكل روتيني باعتبارهم "مُفلسين" و"كسولين". لكن بشكل عام تعامل الصحيفة المستشارة "بشكل لطيف"، كما يقول لوتز فروهبرودت، أستاذ الدراسات الإعلامية في جامعة فورتسبورج. ويستشهد بأزمة اللاجئين عام 2015، عندما دعمت الصحيفة علناً سياسة اللجوء السخية لميركل. "هذا ساعدها فعلاً، في الوقت الذي كانت تواجه فيه الكثير من الانتقاد من داخل حزبها".
لكن بعض القرّاء استاؤوا من التغطية. كتب أحدهم إلى مسؤول الشكاوى في الصحيفة: "بيلد تُعطي الانطباع بأنها الجهاز الرسمي المركزي للمستشارة".
في الواقع، تساءل بعضهم ما إذا كانت "بيلد" قد أساءت الحكم على المزاج الوطني. لكنها خلال الأشهر التالية زادت مخاوف الجمهور من أن تدفق اللاجئين يُمكن أن يُغذّي ارتفاع الجريمة والإرهاب. ونشرت المزيد من المواضيع عن الجرائم التي ارتكبها اللاجئون والأعمال البيروقراطية التي سمحت لمخالفي القانون الأجانب والإرهابيين المشتبه بهم بالبقاء في ألمانيا. جاء في أحد العناوين الرئيسية الأسبوع الماضي: "طالب لجوء يقتل ليكا (33 عاماً) في بافاريا: هذا قاتل آخر كان ينبغي ترحيله منذ فترة طويلة".
ويعترف ريخيلت بأنه "يواجه صعوبات". باعتباره مراسلا حربيا سابقا شهد المدارس المقصوفة بالقنابل في سورية، يقول إن قرار ميركل السماح بدخول كثير من اللاجئين السوريين كان "قراراً يدل على الغباء" من وجهة نظره. ويُدافع عن الموقف المتشدد لصحيفة "بيلد" بشأن عمليات الترحيل: يقول إن المهاجرين الذين ارتكبوا جرائم "فقدوا حقهم في طلب اللجوء. لا يُمكننا سوى حماية الذين يلتزمون بقواعدنا".
ويلاحظ ريخيلت إن مثل هذه الآراء تتناغم مع قرّاء "بيلد". أرسلت الصحيفة مراسلين في جولة في دويتشلاند على مساحة خمسة آلاف كيلو متر لقياس المشاعر قبل الانتخابات وتبين أن القضايا الثلاث الرئيسية التي تُثير قلق الناس هي "اللاجئون، واللاجئون، ثم اللاجئون".
لكن أحياناً تذهب "بيلد" أبعد من ذلك. في شباط (فبراير)، اضطرت إلى الاعتذار عن تقرير حول "غوغاء جنس" من اللاجئين المخمورين الذين يُزعم أنهم هاجموا نساء محليات في فرانكفورت في ليلة رأس السنة الميلادية. ثم تبيّن أن القصة مزيفة.
يقول البروفيسور زينر إن مثل هذه المواضيع تشي بنوع من اليأس. "يبدو أنها تضرب بقوة. ربما تعكس قلقهم بشأن انخفاض التداول".
لكن ريخيلت ينفي أن "بيلد" تتراجع ويقول أن عروضها الرقمية تصل إلى ما يُقدّر بعشرة ملايين قارئ يومياً. غير أنه يشير إلى أن الصحيفة يجب أن تعمل بجد لترسيخ نفسها بقوة على المنصات الجديدة حيث يتم استهلاك وسائل الإعلام في هذه الأيام.
ويضيف: "لا يُمكننا مجرد القول إننا السلطة الرابعة وإنه الحق الذي منحنا إياه الله لنُسمع. لا يوجد شيء في الدستور يقول إن هذه هي الحال".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES