FINANCIAL TIMES

عمالقة التكنولوجيا يحققون مكاسب هائلة على حسابنا

عمالقة التكنولوجيا يحققون مكاسب هائلة على حسابنا

كان الضغط يتزايد في الأسابيع القليلة الأخيرة على السياسيين والمنظمين للحد من السلطة الاحتكارية لشركات التكنولوجيا الكبيرة. في كلمة ألقتها في واشنطن العاصمة في 12 أيلول (سبتمبر)، حاولت مورين أوهلهاوزن، الرئيسة بالنيابة للجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة، انتقاد الفكرة. قالت: "بالنظر إلى الفوائد الواضحة التي تعود على المستهلكين من الابتكار المدفوع من التكنولوجيا، أنا أشعر بالقلق من الجهود الرامية إلى اعتماد نهج من شأنه تجاهُل الفوائد التي تعود على المستهلكين في السعي لتحقيق أهداف أخرى، ربما تكون حتى متضاربة".
كلماتها تُردد سياسة مكافحة الاحتكار الأمريكية في الأعوام الـ 40 الماضية: إذا خفّضت الشركات الأسعار على المستهلكين، يُمكن أن تكون كبيرة وقوية، اقتصادياً وسياسياً، بقدر ما تُريد أن تكون. هذا إلى حد كبير لمصلحة شركات مثل جوجل وفيسبوك وأمازون التي توفّر خدمات ومنتجات، من نتائج البحث إلى منصات النشر الذاتي، التي ليست رخيصة فقط، وإنما مجانية.
لكن أوهلهاوزن تتجاهل نقطة أساسية: الخدمات المجانية ليست مجانية عندما نعتبر أننا لا ندفع مقابلها بالدولار، لكن بالبيانات، بما في ذلك كل شيء من أرقام بطاقاتنا الائتمانية إلى سِجلات التسوّق، إلى الخيارات السياسية والتواريخ الطبية. ما مدى قيمة هذه البيانات الشخصية؟
إنها مسألة ذات أهمية متزايدة بالنسبة للجميع، من خبراء الاقتصاد إلى الفنانين. مثلا، في "داتنماركيت"، وهو منشأة فنية تحولت إلى متجر بقالة في هامبورج عام 2014، عُلبة من الفاكهة تُباع مقابل خمس صور فيسبوك؛ ربطة خبز مُقابل ثمانية "إعجابات" وهلم جرا.
الخُلاصة هي أن من شبه المستحيل وضع سعر دقيق على البيانات الشخصية، جزئياً لأن الناس لديهم سلوكيات وأفكار متفاوتة على نطاق واسع حول مدى احتمال إعطائها للآخرين، اعتماداً على كيفية طرح العروض. في إحدى الدراسات الأخيرة، عندما سُئل المستهلكون مباشرة ما إذا كانوا سيوافقون على أن يتم تعقبهم من قِبل شركة وسائل إعلام ذات علامة تجارية مقابل استهدافهم بإعلانات "مفيدة" أكثر، أربعة أخماس قالوا لا. لكن هناك دراسة أخرى نشرها هذا العام باحثون من معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا وجامعة ستانفورد تُظهر المقدار القليل (بشكل بائس) من الحوافز اللازمة لإقناع الناس بالتخلّي عن كامل قائمة معارفهم في البريد الإلكتروني الخاص بهم. الطلاب في المكتبة كانوا أكثر احتمالاً بكثير للقيام بذلك إذا عُرض عليهم بيتزا مجانية.
قد يُجادل المرء أن هذه ببساطة هي السوق التي تعمل كما ينبغي أن تفعل. مُنح المستهلكون خياراً، واختاروه. وليس لنا الحق في الحُكم ما إذا كان خياراً سيئاً أم لا.
لكن كما أظهرت الدراسة الأخيرة، بإمكان الشركات دفع المستخدمين للتخلي عن البيانات بحرية أكثر من خلال إخبارهم أنها ستكون محمية بتكنولوجيا مُصممة "لمنع الجميع، من الحكومات إلى مزوّدي خدمات الإنترنت (...) من رؤية محتوى الرسائل". في الواقع، تكنولوجيا التشفير المذكورة لا يُمكن أن تضمن هذا.
الخُلاصة أن البيانات الكبيرة تعمل على إمالة الملعب بشكل حاسم لمصلحة اللاعبين الرقميين الأكبر. فبإمكانهم استخراج البيانات ووضع اقتراحات تقودنا إلى قرارات مختلفة تماماً، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق حتى أرباح أكثر لهم.
ليس فقط أن هذا سلطة كبيرة فوق الحد لا يجوز أن تملكها أي شركة واحدة، بل هو مضاد للتنافس ويعمل على تشويه السوق بمعنى أن القواعد الأساسية للرأسمالية التي نعرفها تنقلب. ليس هناك وصول متكافئ لمعلومات السوق في هذا السيناريو. وبالتأكيد ليست هناك شفافية في الأسعار.
البيانات الشخصية التي نمنحها بحرية تتحول إلى أموال كبيرة على أيدي الشركات الأغنى على كوكب الأرض (هوامش الأرباح التشغيلية للنصف الثاني في فيسبوك، مثلا، كانت 47.2 في المائة). فهي تحصل على المواد الخام الخاصة بها (بياناتنا) مجاناً تقريباً، من ثم تفرض رسوما ليحصل عليها تجار التجزئة والمعلنين، الذين بعد ذلك يُحمِّلون تلك التكاليف علينا بشكل أو بآخر.
هذه الشركات لديها ترخيص لطباعة المال، دون كثير من القيود المصاحبة، التي يجب أن تتعامل معها الصناعات الأخرى.
هذه الشركات ليست مُبتكِرة بقدر ما هي "تجار الاهتمام"، وهو تعبير استعرْتُه من تيم وو، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا. خبراء الاقتصاد لم يضعوا بعد أرقاما جيدة عن تأثيرها الصافي في الإنتاجية ونمو الناتج المحلي الإجمالي. بالتأكيد هي أرقام مرتفعة. لكن أي ارتفاع يجب أن يتضمن أيضاً تكاليف المنافسة على اعتبار أن هذه الشركات تفترس المنافسين وتُعيد تشكيل اقتصاد القرن الـ 21 بما يناسبها.
مهما كان الذي يمكن أن تقوله لجنة التجارة الفيدرالية الآن، هناك عدد متزايد من القضايا القانونية التي يُمكن أن تُغيّر القواعد الأساسية لشركات التكنولوجيا الكبيرة. في حين أن قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي يستند إلى تفسيرات حرفية جداً لقانون شيرمان لعام 1890، إلا أن المشرّعين في أوروبا يتّخذون نهجا أوسع. فهم يحاولون قياس مدى تأثّر عديد من اللاعبين في النظام البيئي الاقتصادي في الشركات الرقمية العملاقة.
بدأت أتساءل عمّا إذا كان لا ينبغي أن يكون لدينا جميعاً حق أكثر وضوحا ليس فقط من حيث السيطرة على طريقة استخدام بياناتنا، لكن أيضاً في أي قيمة اقتصادية تنتج منها. الثروة تعيش أساساً في المُلكية الفكرية، ومن الصعب تصوّر كيف يُمكن أن تنجح الحسابات خلافا لذلك.
نحن نعيش في عالم جديد شجاع، مع عملة جديدة تماماً. وهو عالم يتطلب التفكير الإبداعي – اقتصادياً وقانونياً وسياسياً - لضمان ألا يُصبح الأمر أن الفائز يأخذ كامل المجتمع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES