Author

الإشكالات الشرعية والقانونية في عقود البوت

|

تحدثت الأسبوع الماضي عن العقود المسماة بالبوت (عقد البناء ثم التشغيل ثم إعادة الملكية) وعن أهميتها وأثرها في الاقتصاد الوطني، وأود الحديث اليوم عن بعض الإشكالات القانونية التي تواجه مثل هذا النوع من العقود لدينا، وضرورة المعالجة التشريعية لها من خلال إصدار نظام خاص.
عقد البوت عبارة عن عدة اتفاقات داخل عقد واحد، وهي تعاقد على البناء للمشروع بما في ذلك من تفصيلات واشتراطات ومواصفات ذلك البناء وربما نوع المواد المستخدمة ومخططات وما إلى ذلك حسب اتفاق الطرفين، حيث غالبا يشترط ذلك المالك الأصلي سواء كانت الدولة أو مؤسسات وأفراد. وبعد ذلك هناك اتفاق آخر متصل بالعقد نفسه، وهو الاتفاق على حق المستثمر الباني للمشروع أن يستثمر ذلك الأصل لمدة معينة يحددها الطرفان في العقد، ويعبرون عنها أحيانا بملكية المنفعة في تلك الفترة، كما يتخلل هذه النقطة عديد من الاشتراطات والاتفاقيات من طبيعة الاستثمار وحدوده وربما حتى الاتفاق على حق المستثمر بالحصول على جزء معين من الدخل وليس كامل الدخل وغير ذلك من الاشتراطات بين الطرفين. ثم تأتي النقطة الأخيرة غالبا؛ وهي الاتفاق على إعادة الملكية للمالك الأصلي، وهنا أيضا عديد من الاتفاقيات التي بين الطرفين بخصوص الوقت المحدد للإعادة للملكية وطريقتها واشتراطاتها.
هذا التعقيد في عقود البوت جعلها من أكثر العقود صعوبة وتعقيدا، مما يجب مراعاة النواحي القانونية الدقيقة في العقد، إضافة إلى الجوانب الشرعية المرتبطة بالعقد التي قد تؤدي به أو بعض أجزائه إلى البطلان فيما لو اختلف الطرفان ولجآ إلى القضاء، فهناك عديد من الاشتراطات المؤثرة في رغبة الطرفين ربما، وقد لا يعلمون أنها في حال وصلت إلى القضاء فإن هذا الاشتراط سيكون باطلا، ما يجعل الاهتمام بصياغة هذه العقود مهما للغاية، ويحتاج إلى معرفة وخبرة قانونية وشرعية متراكمة في ذلك.
ومع كل ذلك؛ إلا أنه في بعض النقاط حول هذه العقود؛ لا يمكن لمستشار قانوني أن يجزم أن القضاء سيعتبر تلك النقاط كما اتفق عليه الطرفان، وذلك لسببين؛ الأول: عدم وجود قانون خاص بهذا النوع من العقود ليسد الفراغات التشريعية، والثاني: أن القاضي لدينا غير ملزم بمدونة معينة أو حتى مبادئ قضائية معينة، ما يجعل احتمال إبطال بعض الاشتراطات وارد جدا في حال وصل الأمر للقضاء، كون ذلك يعود إلى اجتهاد القاضي الشخصي طالما لا يوجد نظام ملزم، وعلى الرغم من ذلك؛ فإن المستشار الجيد يمكنه تخفيف هذا الاحتمال قدر الاستطاعة.
نقطة مهمة أخرى؛ وهي في المشاريع الحكومية الكبيرة، فقد يكون من المناسب إلزام المستثمر بطرح الشركة في مساهمة عامة بنسبة معينة، لأجل ضمان مشاركة المواطنين في بناء وطنهم، ولمزيد من الشفافية في مثل هذه العقود، وهذا ما يفعله عدد من القوانين الدولية المشابهة.
الخلاصة؛ إن سن نظام خاص بعقود البوت مصلحة ملحة للوطن، وتشجع الاستثمار في هذا النوع من العقود، كما تضمن الأمان للمستثمرين والمستفيدين على حد سواء.

إنشرها