Author

مَن ريكاردو هسمان؟

|
مستشار اقتصادي

التحدي الاقتصادي في المملكة "تنموي" في المقام الأول وليس اقتصاديا بالمعنى التقليدي، إذ إن التنموي يتطلب العودة للجذور، بينما التقليدي يتعامل بما هو فوق الأرض. التفريق مهم في ظل البحث عن حلول للتحول الاقتصادي المنشود، غالبا ما يناقش لدينا ما هو فوق الأرض إذ هو أقرب للجميع أيا كانت أدوارهم لأسباب موضوعية، فالناس مشغولون بالعملي والمسؤول يحاول رضا الجميع مع اختلاف احتياجاتهم ومنطلقاتهم وعواطفهم التي غالبا لا تفرق بين المديين القصير والبعيد، أو بين الفردي والجمعي، أو بين الاقتصادي (المبني على ميزة وقدرات إنتاجية) والمالي (مصادر مالية متوافرة ومقترضة). في ظل هذه التوازنات الصعبة يحاول المسؤول استرضاء جميع الأطراف من منظار توزيعي وعين على بعض التحديات ولكن القليل يبحث في الجذور. البحث في الجذور يبعدنا سريعا عن الاقتصاد التقليدي أو حتى التخطيط المالي مع أهميتهما. الحديث التقليدي عندنا شبه مهووس بالنواحي التوزيعية وهذه تمنع الغوص للجذور. لذلك قد لا نحتاج إلى ريكاردو لأنه يصر على البحث عن الجذور. اطلعت على أفكار ريكاردو من عدة مقالات وأوراق بحثية على مدى سنوات، ولكن لم أقرأ سيرته الذاتية حتى اطلعت على مقال نشرته مجلة "المالية والتنمية" في عددها الأخير.
ريكاردو أستاذ الاقتصاد التنموي في كلية كندي للحوكمة في هارفارد وسبق أن عمل كوزير للتخطيط والتنسيق في فنزويلا وعضو إدارة البنك المركزي ثم رئيس الاقتصاديين في بنك التنمية بين الأمريكتين لمدة ست سنوات مكنته من مراقبة أداء دول مختلفة. التجربة والتعليم جعلا منه شخصا مختلفا، فوالداه مهاجران من يهود أوروبا عملا في صناعة الحقائب الجلدية، ولكن تغير الظروف الاقتصادية أفلس بأعمالهما وبدأت رحلة التفكير عنده. بدأ تعليمه في جامعة كورنيل لدراسة الهندسة والفيزياء التطبيقية ولكنه رجع لاحقا لدراسة الدكتوراه في الاقتصاد في الجامعة نفسها، إذ يقول "إن دراسة الإلكترون في فنزويلا ليست حسنة بقدر دراسة الاقتصاد. إذ إن الإلكترون نفسه في كل مكان ولكن الاقتصاد يختلف". ساعدته الخلفية العلمية في توظيف مصطلحات فيزيائية لمحاولة فهم بعض الظواهر الاقتصادية، حيث شبه الحالة الأمريكية حين تكون أمريكا أكبر مقترض مع هذا تحصل على عوائد خارجية أعلى من الفوائد التي تدفعها لخدمة الدين بالمادة الداكنة dark matter وذلك من خلال ما يسميه بالأصول غير المنظورة كالاستثمارات الأجنبية في أمريكا وبيع حقوق وبراءات الاختراع والتقنية، فالمادة الداكنة تعرف فقط من خلال قوة الجاذبية التي تقوم بها وكذلك الأداء الأمريكي يتم من خلال الدخل الذي يولده. كذلك جاء مع آخرين بمصطلح الذنب الأصلي original sin حين تقترض دولة نامية بغير عملتها، فحين يضعف اقتصادها تنخفض عملتها وبالتالي تصعب خدمة القروض ما قد يعرضها للإفلاس.
بحث ريكاردو عن حلول قاده إلى فكرة الاقتصاد المعقد - economic complexity، إذ يتفق كثير من الاقتصاديين على أن إسهامه الرئيس كان في فكرة الاقتصاد المعقد فيقول "إن السر في المنتجات المتطورة ليس من وجود ذكاء الناس بل في وجود كثيرين لديهم مواهب متعددة ومكملة لبعض، فالمجتمعات الغنية لديها معرفة فنية جماعية توظفها لتنويع وتطوير المنتجات". هذا الفكر والخبرة قاداه إلى تأسيس أطلس التعقيد الاقتصادي - خريطة الطرق إلى الازدهار. يقود الآن فريقا في الكلية تحت مسمى مركز التنمية الدولي الذي يعنى بتطوير المعرفة والسياسات اللازمة لتطوير الدول، حيث يتعامل مع الدول مثل المكسيك وسريلانكا وغيرهما. مع الأسف كثير منا أخذ ببعض العلم، ولذلك يجد راحة فيما فوق الأرض ويقاوم البحث في الجذور. حان الوقت أن نبحث في الجذور ونستعين بالمعرفة النظرية والعملية لتطوير الأبحاث الخاصة بتجربتنا، وليست هذه التجربة الوحيدة في التعاون البحثي بغرض التنمية، حيث سبق أن استعانت شيلي أثناء تحولها الناجح بجامعة شيكاغو. المهم أن يكون لدينا الكوادر القادرة على استيعاب الحوارات العلمية والتعلم وزرع القدرات التحليلية والعملية.

إنشرها