FINANCIAL TIMES

بنية جوفاء اسمها نظام الحزبين في أمريكا

بنية جوفاء اسمها نظام الحزبين 
في أمريكا

نجم الساسة يسطع ويخبو، لكن بعضهم لا يمكنه الخروج من المسرح. تكتب هيلاري كلينتون: "كان هناك كثير من الناس الذين يتمنون اختفائي أيضا. لكنني هنا الآن". وجولة كلينتون العالمية التي دامت ثلاثة أشهر للترويج لكتابها الأخير تمثل محاولتها للخلاص. لكن "جولتها التشريحية" لمحاولة معرفة ما حدث لحملتها الانتخابية في عام 2016 لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسام بين الجناح العملي للحزب الديمقراطي وأولئك الذين يحاولون إعادة تشكيل الحزب حزبا اشتراكيا على الطراز الأوروبي. كلينتون مقابل بيرني ساندرز. ألم نشهد مثل هذه الدراما من قبل؟
نعم، لكن هذا هو الموسم الثاني. كما أننا قطعنا شوطا طويلا في مجال مؤامرة الحرب الأهلية الجمهورية بين الشعبويين الذين يريدون الحفاظ على نقاء بلادهم من الأجانب، برئاسة ستيفن بانون، كبير الخبراء الاستراتيجيين السابق لدى دونالد ترمب، ومؤسسة الحزب التي يشمل جدول أعمالها التخفيضات الضريبية. ربما يتساءل أنصار الحزب عن الجانب الذي يوليه ترمب ولاءه. لكنهم لن يجدوا الإجابة أبدا. فهو في بعض الأحيان يستقطب اليمين المتطرف، وفي أحيان أخرى يبدو كجمهوري ينتمي للغرفة التجارية. في الواقع، يدعم ترمب علامة تجارية لأحدهما. وينبغي للذين يبحثون عن جوهره الفلسفي البدء بمثلث برمودا.
مر وقت عندما كان في الولايات المتحدة حزبان فاعلان. لم يعد الأمر كذلك الآن. أستطيع الآن أن أحصي أربعة أحزاب. بما أن ترمب لا يحظى بعضوية ثابتة، ارتفع العدد مؤقتا إلى خمسة أحزاب. في الانتخابات التمهيدية التي جرت العام الماضي حصل كل من مرشحي الحزب الشعبوي اليميني والحزب الشعبوي اليساري، ترمب وساندرز، على أكثر من نصف الأصوات فيما بينهما. لو ترجمت تلك الأصوات إلى مقاعد في البرلمان، سيحظى الحزبان التقليديان في أمريكا بأقلية. وقد تصبح الصورة أقرب من وضع إيمانويل ماكرون في فرنسا، حيث يقف كل من الاشتراكيين والديجوليين على الهامش.
لكن السياسة في أمريكا محكوم عليها بأن تسير وفق سياسة الحزبين. ودرجة احتقارهما لبعضهما بعضا لا يتعداها إلا العداوات الداخلية. ولا تتسم أي من الفصائل المتحاربة لكلا الحزبين بالقوة الكافية لتدعي أنها تمثل الكل. لكن لديهما ما يكفي من النفوذ لمنع المنافسين من القيام بذلك. وعودة كلينتون إلى الساحة السياسية أخرجت الانشقاق في الحزب الديمقراطي وأظهرته على الملأ.
قالت يوم الأحد: "لم أكتف بعد من السياسة لأنني أؤمن حرفيا بأن مستقبل البلاد في خطر". رد عليها ساندرز قائلا: "وظيفتنا الآن هي عدم التراجع والاستسلام".
يبدأ ساندرز هذا الأسبوع بمناقشة مشروع قانون "الرعاية الصحية للجميع" - نظام رعاية صحية بنظام دفع منفرد على غرار تلك الأنظمة الموجودة في فرنسا وسويسرا. لا يحظى هذا القانون بأية فرصة لإقراره من قبل الكونجرس الذي يقع تحت هيمنة الجمهوريين. لكنه يمثل وسيلة مثالية بالنسبة لمرشحي الرئاسة لإعطاء قاعدة الحزب فكرة عن الوجهة التي يتخذونها.
يشترك أربعة طامحين آخرين في انتخابات 2020، بمن فيهم إليزابيث وارن، عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، في رعاية هذا التشريع. بالنسبة للأعضاء الديمقراطيين الوسط، مثل كلينتون، يعتبر قانون "الرعاية الطبية للجميع" مثالا للسياسة التي تكتفي بمجرد اللفتات لاسترضاء الجماهير، وهي سياسة يحتقرونها. لم يقل ساندرز أي شيء حول كيفية تنفيذ تلك الإصلاحات. يقول خبراء الاقتصاد إن التشريع من شأنه أن يتطلب زيادة هائلة في الضرائب المفروضة.
تبدو الفجوة بين "التقدميين الذين يريدون إنجاز الأشياء"، على حد تعبير كلينتون، والذين يعطون المواعظ لكن لا يحققون الكثير، واضحة بين الجميع. أصبح الديمقراطيون الذين يتزعمهم ساندرز أقرب إلى مؤيدي شعار ترمب "أمريكا أولا" فيما يتعلق بالسياسة الخارجية منهم من نزعة العولمة التي تميز مسار كلينتون. يكره الديمقراطيون المؤيدون لساندرز الانخراط في الشؤون الخارجية لدرجة أنهم لا يقدمون الكثير من الآراء حول السياسة الخارجية أبدا. بالمثل، هناك انقسام متزايد حول ما إذا كان ينبغي اعتبار وادي السليكون صديقا أو عدوا. ترغب وارن، التي تتنافس مع ساندرز لتصبح زعيمة الديمقراطيين الاشتراكيين، في تفريق جبابرة البيانات الكبرى مثل فيسبوك وأبل وجوجل وأمازون. يرى الأعضاء الديمقراطيون الوسط أن مثل هذا الانهيار في الثقة أمرا يثير الرعب. مع ذلك، وادي السليكون هو أكبر مانح مالي بالنسبة لهم.
كذلك يعمل المال على إحداث انقسام بين الجمهوريين. فجهاد بانون ضد الحزب الجمهوري يجري تمويله من قبل روبرت ميرسير، الملياردير صاحب صناديق التحوط. هؤلاء يعتقدون أن قادة الحزب "عملوا على إبطال" جدول أعمال ترمب الذي يحمل شعار "أمريكا أولا"، وينشغلون الآن بتمويل المتنافسين الشعبويين الذين يتنافسون لشغل مناصب في الحزب الجمهوري. في الواقع، يتنافس كل فصيل للاستيلاء على روح ترمب. النقطة الوحيدة التي يتفقون عليها هي أنه ينبغي له عدم إبرام صفقات مع الديمقراطيين. في هذا الصدد، يتفقون مع جناح ساندرز في الحزب الديمقراطي. وأي شخص ينتمي للحزب الديمقراطي ساهم في فوز ترمب من المحتمل أن يواجه حالات تمرد مماثلة من اليسار.
لو كان ترمب شخصا آخر، لتمكن من تنسيق هذه الفوضى بطريقة ما لتكون في صالحه. لم يرث أي رئيس ظروفا أفضل لإعادة ضبط السياسة الأمريكية. لكن مجال تركيز ترمب لا يزيد على ما لدى سمكة صغيرة. في الوقت نفسه، تحظى كلينتون بذاكرة جيدة تمكنها من تذكر الأشياء بسهولة ولفترة زمنية طويلة. فقد أطلقت وسيلة تمويل تدعى "نمضي قدما معا". تبدو وبشكل يثير الريبة وكأنها شعار "أقوى معا" الذي أطلقته العام الماضي. بتعبير مخفف، يبدو أن توقعات التكاتف والتعاون ليست عادلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES