Author

الوطن .. وأسوأ الأشرار

|

ليس بوسع الطبيعة الإنسانية أن تكون بلا اختلاف في الرأي، سواء فيما يخص القناعات الفكرية أو العقدية أو الاجتماعية.. ففي كل وطن يوجد هذا التباين، ولكنه يظل متوافقا مع العقل الجمعي ووجدانه على قاسم قدسي مشترك وأساس هو الأمن الوطني ومقدراته التي لا قبول قطعا للمساس بها بأي شكل من الأشكال.
إن جميع دساتير العالم وقوانينه ــ على مستوى الوطن ــ لا تتهاون قط ولا تبرر إطلاقا أي محاولة لمختلف في الرأي أو المعتقد في أن يكون الاختلاف ذريعة للقفز على حرمة الوطن وقداسته وأمنه سواء بالارتباط أو التعامل مع أية جهة خارجية للاستقواء بها، أو للعمل معها لفرض المختلف أو إقحام الموقف.. فهذا السلوك في عرف كل دساتير الدنيا ليس له سوى تعريف واحد هو "الخيانة الوطنية".
القناعات الذاتية التي يراد لها أن تكون هي، دون غيرها، شكل ومحتوى الوطن، أو أن يتم تفصيل الوطن على مقاسها وبلونها باللجوء إلى أي نوع من الارتباط أو العمالة بالخارج، أو من خلال تدبير أي عمل من أعمال العنف، ناعما أو خشنا تعتبر بكل المقاييس من أسوأ الأخطار.. ومن الطبيعي أن تستنفر تلقائيا الشعور الوطني السوي على المستوى العام، وأن تستنفر على المستوى الرسمي قوة الردع والمحاسبة لأن من يجرؤ على اقتراف ذلك أو محاولة الاقتراف يوصم بأنه أسوأ الأشرار مهما تسربل أو تقنع أو تستر بمزاعم رنانة تتشدق بادعاءات مقاصد الخير والإصلاح.. إذ لا خير ولا إصلاح يتم في الخفاء والمكيدة وتحت جنح الظلام لمخاتلة وزعزعة استقرار الوطن باستغلال هوية الانتماء إليه، فيما الحقيقة لا تعدو عقوقا وجحودا لهذا الانتماء وتدنيسا لشرف هذا الولاء وتدليسا فيه بالانجراف إلى جنوح وشذوذ ونوازع يحركها هوس نفعي ومطامع ذاتية، وإما لتطرف أعمى حذف أمن الجميع فلم يعد يعنيه ما قد يجره هذا الجنوح والشذوذ والنوازع من فتنة وزعزعة للسلم الاجتماعي.
هكذا.. لا يكون معه مطروحا المزايدة على أمن الوطن ومقدراته والتشدق بالقول. إن من يقترف هذا الجنوح والشذوذ والنوازع إنما يفعل ذلك من باب "الوطنية" فلا وطنية لمن يقايضون أمن الوطن مقابل تحقيق مواقفهم المختلفة أو التسويغ لأنفسهم بها للعمالة مع الخارج، وإنه لتسويغ من أحط درجات التدني الأخلاقي مهما لبس أصحابها مسوح الورع والتقى والتدين أو تظاهروا بالإخلاص للوطن.. فأمثال هؤلاء الذين يتهاوون إلى هذا الدرك الأسفل من الغدر بالوطن والتآمر على أمنه لم يجدوا عند شعوبهم إلا الزراية والشماتة دون أسف!
وقد مرت السعودية بمحطات غررت فيها المواقف الشاذة للاختلاف بأصحابها وحاول أولئك البعض، بغلظة تطرفهم زرع الفتنة وشق وحدة الصف الوطني، كان أشهرها حادثة جهيمان عام 1978 في الحرم المكي، ثم الأعمال الإرهابية بكل فئاتها الضالة، إلا أن أولئك جميعا وجدوا كل أهل هذا الوطن رجال أمن مدججين بإرادة سحقتهم، فتحطمت مساعيهم على صخرة الوحدة الوطنية.
ولن تلاقي هذه الزمر العميلة والإرهابية التي تم الإعلان عن تربصها للتفجير أو للتجسس أو للتخطيط لضرب السلم الاجتماعي سوى ما لاقته سابقاتها من جنايات تلك الفئات الضالة من إدانة حادة على المستويات كافة، وستظل هذه الجنايات الطريد المنبوذ المدان بأسوأ الإدانات.. وحتما للعدالة معهم حساب عسير.. أما مع التاريخ فستلاحقهم لعنة عار لا تنفك عنهم أبدا.

إنشرها