Author

طاقة الرياح .. زخم علمي أم إعلامي؟ «2»

|

عود على بدء، تناولت في المقال السابق الذي يعتبر المقال الأول في سلسلة هذه المقالات عن طاقة الرياح بين الزخم العلمي والإعلامي. تطرقت فيه إلى الصورة النمطية المتداولة إعلاميا وفي وسائل التواصل الاجتماعي عن منافسة الطاقة المتجددة عموما وطاقة الرياح على وجه الخصوص للوقود الأحفوري. وفندت رأيا مستندا على بعض الدراسات والأرقام المهمة من جهات مختصة ذات باع طويل في مجال الطاقة ومستقبلها. فواقع الحال أن جميع مصادر الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة لا تشكل إلا جزءا بسيطا جدا من الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري بأنواعه الثلاثة وهي النفط والفحم والغاز على الترتيب، وأنها "أعني الطاقة المتجددة" ليست منافسة للوقود الأحفوري بل طوق النجاة لإطالة عمره قدر المستطاع.
بداية أود أن أعرج في عجالة على استخدامات طاقة الرياح وتطبيقاتها المختلفة، سواء كان ذلك قبل آلاف السنين أو في وقتنا الحاضر. اختلف المؤرخون حول تاريخ أول استخدام لطاقة الرياح، فقد قيل إن أول من استخدم طاقة الرياح هم الفراعنة قبل الميلاد لتحريك السفن الشراعية ولا أعتقد أن ذلك يهمنا كثيرا قدر أهمية معرفة التطبيقات المختلفة لذلك. استخدم البابليون الطواحين الهوائية البدائية المصنوعة من الخشب لطحن الحبوب، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا مرت هذه الصناعة بمراحل تطور مختلفة وابتكار لاستخدامات جديدة وتحسين للأداء فرضتها الحاجة لا الرفاهية فقد قيل "الحاجة أم الاختراع". بدأ هذا المشروع العلمي من السفن الشراعية مرورا بالطواحين الهوائية وصولا إلى توليد الطاقة الكهربائية.
سأسلط الضوء في هذه السلسلة من المقالات على تحويل طاقة الرياح إلى طاقة كهربائية بواسطة ما يسمى "توربينات الرياح". الأجزاء الرئيسة التي يتكون منها توربين الرياح هي: مروحة، يختلف عدد الشفرات فيها، فمنها أحادي الشفرة ومنها ثنائي وثلاثي الشفرات. ترتكز هذه المروحة على عمود يصل ارتفاعه أحيانا إلى 150 مترا أو أكثر. يتكون توربين الرياح أيضا من عمود للدوران متصل بعلبة للتروس وظيفتها تسريع دوران مروحة التوربين، ويتصل الطرف الثاني لعمود الدوران بمولد يستفيد من الطاقة الحركية من العمود ويحولها إلى طاقة كهربائية باستخدام الكهرومغناطيسية. إضافة إلى عديد من الأجزاء المختلفة التي تهدف إلى ضبط الحركة وتوزيع الكهرباء وغيرها.
تختلف أحجام توربينات الرياح باختلاف الغرض المستخدمة من أجله وكمية الطاقة المطلوبة لهذا الغرض. منها صغير الحجم يكفي لإضاءة مصباح أو شحن بطارية، ومنها المتوسط الذي بمقدوره توفير الطاقة الكهربائية الكافية لمنزل أو أكثر، ومنها الضخم ذو الطاقة الإنتاجية الكبيرة التي قد تكفي لتشغيل مصنع وغير ذلك. أما إذا دعت الحاجة إلى توليد طاقة كهربائية كبيرة لا يستطيع توربين واحد توليدها فعندها يتم إنشاء ما يسمى "مزرعة الرياح". حيث تحتوي هذه المزرعة على عدد كبير من توربينات الرياح، ولإنشائها وتوزيع هذه التوربينات طرق علمية ومسافات محددة وليست عشوائية.
بإذن الله سأتطرق في المقال القادم لآلية توزيع التوربينات والهدف من ذلك. إضافة إلى أهم السلبيات والإيجابيات التي تواجهها هذه الصناعة.

إنشرها