أخبار اقتصادية- عالمية

محللون لـ"الاقتصادية" : الحظر الصيني يعوق «البيتكوين» ولا يقضي عليها

محللون لـ"الاقتصادية" : الحظر الصيني يعوق «البيتكوين» ولا يقضي عليها

انخفض سعر عملة البيتكوين الرقمية بنحو 20 في المائة خلال أسبوع واحد، وجاء الانخفاض بعد أن أعلنت السلطات الصينية، إيقاف التبادلات التي تتم بالعملات الافتراضية، وبالفعل أعلنت بورصة "بي.تي.سي تشاينا" الصينية وهي واحدة من أكبر شركات التبادل الصينية التي تتعامل في بالبيتكوين بأنها ستوقف التداول اعتبارا من 30 أيلول (سبتمبر) الجاري دون ذكر أسباب.
وهوى سعر بيتكوين وغيره من العملات الرقمية بعد هذه الأنباء، وهبطت العملة الرقمية 20 في المائة في بورصة "بي.تي.سي تاشاينا" إلى 20510 يوانات.
لكن العملات الإلكترونية تحولت إلى الارتفاع خلال تعاملات الجمعة الماضية، عقب خسائر حادة، لتحصد عملة "البيتكوين" نحو 750 دولارا، عقب خسائر حادة أعقبت تحذيرات بشأن التداول الرقمي.
وعانت العملات الإلكترونية خلال فترة تجاوزت عشرة أيام خسائر حادة، عقب تشديد الإجراءات عليها في بعض الدول كالصين والمملكة المتحدة، فضلا عن تشكيك في قيمتها الحالية من خبراء مثل محمد العريان، وتحذيرات مماثلة من رئيس بنك "بنك مورجان ستانلي".
وازدهرت الصين كمنصة لتداول العملة الافتراضية في السنوات الأخيرة حيث سمحت بورصاتها المحلية من قبل للمستخدمين بإجراء معاملات مجانية ما جذب مستثمرين ومضاربين عززوا الطلب.
غير أن الجهات التنظيمية شنت حملة على القطاع وسط مخاوف من أن يكثف المستثمرون الصينيون مضارباتهم في العملات الافتراضية، وفي الأسبوع الماضي حظرت الجهات الرقابية ما يطلق عليه "الطرح الأولي للعملات" أو ممارسة إنشاء وبيع عملات رقمية أو رمزية للمستثمرين من أجل تمويل مشاريع ناشئة.
وفي الحقيقية فإن انخفاض قيمة البيتكوين والمعروفة أيضا باسم العملة الذهبية، لا يعود فقط إلى القرار الصيني، على الرغم من أن الصين تحتكر ربع تجارة البيتكوين في العالم، كما أنها موطن عديد من كبار "المنقبين" وهو الاسم الذي يطلق على الأشخاص الذين يستخدمون تقنيات الكمبيوتر لإنتاج البيتكوين.
فقد سبق القرار الصيني تعليقات سلبية للغاية من جيمي ديمون رئيس "بنك مورجان ستانلي" حول العملة الذهبية واصفا التعامل بها بأنه "احتيال" واعتبر الارتفاع الكبير في أسعارها خلال الآونة الأخيرة "فقاعة وستنفجر".
تصريحات ديمون، والخطوات الصينية أدت في الواقع إلى عمليات بيع كبيرة للعملة الرقمية، وتراجع التداول بالبيتكوين بنحو 30 في المائة مقارنة بالمستويات القياسية التي شهدها الإقبال عليها بداية الشهر الجاري.
"الاقتصادية"، استطلعت آراء عدد من الخبراء في مجال العملات الافتراضية ومصرفيين ومجموعة من الاقتصاديين في مسعى لاستكشاف ما الذي يخبئه المستقبل في طياته لسيدة العملات الافتراضية "البيتكوين"؟.
إيه. إس. جلوفر الخبير في مجال تبادل العملات الافتراضية يرى أن الأسبوع الماضي كان أحد أصعب الأسابيع التي مرت بها العملات الافتراضية وخاصة البيتكوين، إذ خسرت العملة الذهبية 40 في المائة من قيمتها خلال شهر وتراجعت من 4921.7 دولار للوحدة الواحدة في بداية هذا الشهر إلى 2972 دولارا يوم الجمعة الماضي قبل أن تتحسن نسبيا وتصل إلى 3600 دولار.
إلا أن هذا الوضع المضطرب لا يمنع جلوفر من الاعتقاد بأن العملة الذهبية التي لا تدعمها أي حكومة ستتعافى من تلك الانخفاضات، وتستعيد بعض من عافيتها المفقودة مستقبلا.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن التجارب الماضية للعملات الرقمية أو الافتراضية تؤكد أنها ستنتصر على تلك التحديات، فهذا النوع من المشاكل والهجوم الذي تتعرض له من قادة ماليين كبار يكسبها مزيدا من الصلابة في الأسواق، فالعملات الرقمية باتت واقعا اقتصاديا يصعب إنكاره، وتدريجيا سيقبل بها النظام الاقتصادي العالمي، وما يحدث لا يتعدى نوعا من الاختبارات لمدى صلابتها وقدرتها على تحمل الهزات الضخمة، وجزءا من عملية تنظيمية عنيفة للعملات الرقمية مستقبلا، والدليل على أن العملات الرقمية باتت واقعا رغم إنكار ماليين كبار لها والحظر الصيني، هو أن البنك المركزي الصيني يعمل حاليا على إنشاء عملة رقمية خاصة به.
ولكن إذا كان بعض الاقتصاديين يعتبرون أن تصريحات رئيس بنك مورجان ستانلي المعادية للبيتكوين، لا تعد أكثر من وجهة نظر تقليدية لرئيس بنك يهيمن الفكر الاقتصادي المحافظ على توجهاته ويفتقد خبرة كافية في مجال العملات، فإن التساؤل حول الأسباب التي دفعت الصين إلى تبني موقف معاد للعملة الرقمية تساؤل مشروع.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، كيفين جرين المصرفي البريطاني: "لكي نكون منصفين علينا أن ندرك أن الحكومة الصينية والحكومات الأخرى لديها أسباب وجيهة للدخول في عالم العملات الرقمية وتنظيم عملية خلق وتداول تلك العملات، كما تفعل تماما مع صدور أو تداول أي منتجات مالية غير تقليدية من أجل حماية مواطنيها من التلاعب في الأسواق".
ويستدرك جرين قائلا: "لكن ما أعلنته الصين أخيرا يتجاوز التنظيم التقليدي، ويتطرق إلى شرعية البيتكوين ذاتها، وإمكانية التعامل بها على أرض الواقع كوسيلة للتبادل أو آلية لسداد المدفوعات، بمعنى آخر أن تصبح مالا حقيقيا بديلا للعملة الوطنية، ومنطقيا فإن الحكومات لا ترغب في أن ترى عملة تنافس عملتها، فهذا يهدد واحدة من أبرز صلاحيتها وهي احتكارها لخلق المال والسيطرة على النظام المالي والمصرفي، وليس من قبيل الصدفة أن تكون الصين لجأت إلى ذلك الموقف المتشدد من العملة الرقمية لأنها تريد السيطرة بحزم على نظامها المصرفي، وتخصيص الائتمان المالي وفق جدول أعمال سياسي، يتناسب مع جهود الإصلاح الراهنة، والبيتكوين تهدد هذا نسبيا".
ويؤكد جرين، أن الصين لا تقف معادية لفكرة العملات الرقمية، وإلا ما الذي يدفع البنك المركزي إلى خلق عملة رقمية خاصة به، وإنشاء معهد بحوث خاص بهذا الشأن برئاسة مسؤول سابق في البنك المركزي الصيني، مضيفا أن بكين تريد أن يكون لها السيطرة علي تلك العملات، وخاصة أن الحزب الشيوعي الصيني سيعقد مؤتمره الرئيسي الشهر القادم، وبالطبع لا يريد أي هزات في الأسواق قبل انعقاد المؤتمر.
ولهذا يعتقد عديد من الخبراء أن القرار الصيني أدى إلى انخفاض حصتها في سوق البيتكوين العالمي بشكل ملحوظ إلى أقل من ثلث قيمته السابقة، لكن هذا لن يمنع المستثمرين الصينيين من مواصلة استثمارهم في العملة الرقمية، لأن القرار لا يطبق على هونج كونج، كما أنه يحق لهم نقل حساباتهم إلى بلدان أخرى أكثر تسامحا مع العملات الأجنبية مثل اليابان التي تقبل العملة الذهبية كطريقة دفع قانونية.
الدكتورة كيتي جراند أستاذة الاقتصاد الدولي تشير إلى أنه في أوقات الأزمات الاقتصادية أو السياسية يفضل المستثمر الاحتفاظ بأصول آمنة، وكثير من الخبراء يعتبرون أن العملة الذهبية واحدة من تلك الملاذات الآمنة، ولا شك أن هذا الاعتقاد تراجع بعض الشيء مع تراجع قيمة البيتكوين والعملات الرقمية عموما، بعد الهجوم الذي تعرضت له من رئيس بنك "مورجان ستانلي" والموقف الصيني، إضافة إلى أن التوترات الجيوسياسية في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا بعد تجارب كوريا الشمالية النووية والصاروخية، زادت من اتجاه المستثمرين للملاذات الآمنة، وحتما سيكون من بينها البيتكوين بعد أن تهدأ أعصاب السوق ويستعيد المستثمرون الثقة في مسيرة "سيدة العملات الرقمية".
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن الفضول الذي يهيمن على الأسواق حاليا بشأن العملات الرقمية، يمكن أن يشجع في زيادة الطلب مستقبلا، وإذا أخذنا في الاعتبار أن البيتكوين عملة محدودة الكمية، فيمكن أن نشاهد تصحيحا للمسار السعري مجددا في اتجاه الارتفاع.
وعلى ما يبدو فإن توقعات الدكتورة كيتي جراند متماشية إلى حد ما مع طريقة تفاعل الأسواق، فالبيتكوين المعروفة أيضا باسم "عملة الشعب" حيث لا توجد سلطة مركزية تسيطر عليها وتوجهها، بدأت تستعيد بعضا من عافيتها المفقودة، وهو ما ترجم في ارتفاع ملحوظ في أسعارها يومي الجمعة والسبت الماضيين، بحيث أفلحت في تحقيق مكاسب بلغت نحو 12 في المائة خلال 24 ساعة، وفي اتجاه الصعود هذا جذبت البيتكوين العملات الافتراضية الأخرى معها، إذ زادت قيمة عملة "إثيريوم" بنحو 12 في المائة، بينما قفزت "لايتكوين" بنحو 19 في المائة.
وفي هذا السياق، يعتقد ألفريد كوبر المحلل المالي في بورصة لندن أن الأسوأ بالنسبة "لعملة الشعب" قد ولى، وهو متفائل تجاه مستقبل العملات الرقمية وخاصة البيتكوين، فهناك ثبات في المعروض وزيادة في الطلب، ولا شك أن الصين سوق مهم وعمليات الإغلاق التي تمت هناك لها تأثيرات سلبية، ولكن ذلك سيكون في الأجل القصير فحسب.
وأشار لـ "الاقتصادية"، إلى أن العملات الافتراضية باتت ظاهرة عالمية، والموقف الصيني المعادي لـ "جوجل" و"فيسبوك" على سبيل المثال لم يمنع الشركتين من التطور وهذا أيضا ما سيحدث مع البيتكوين.
وحول توقعاته السعرية المستقبلية للعملة الذهبية، يقول كوبر: "يمكن أن تصل وحدة البيتكوين إلى خمسة آلاف دولار مرة أخرى حتى في ظل المنع الصيني من تداولها، فالحظر الصيني يعيق البيتكوين ولا يقضي عليها".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية