«دار الكتب السعودية» أول مكتبة منوعة
لا يختلف اثنان على أهمية المكتبات العامة والخاصة ودورها في توعية الشعوب، ونشر العلم والمعرفة. وتزخر السعودية اليوم بكثير من المكتبات العامة، التي تشمل كل مناطق المملكة، وهذا ما لم يكن قبل نصف قرن، ولو عدنا إلى عام 1370هـ لوجدنا مدينة الرياض تخلو من أي مكتبة عامة. وحديث اليوم عن نشأة المكتبات العامة في الرياض، والتركيز على أول مكتبة من نوعها في السعودية، وهي دار الكتب السعودية.
البدايات:
كان في مدينة الرياض عدد من المكتبات الخاصة ببعض الأمراء والعلماء، وكانت مقتصرة على أصحابها، أو أفراد قلائل ممن لهم علاقة بهم. وبوعي من الأمير مساعد بن عبد الرحمن فتح مكتبته الخاصة عام 1361هـ للزوار، فكان يرتادها من يريد القراءة. وقد فكر ولي العهد الأمير سعود بإنشاء مكتبة عامة حكومية، وتم ذلك بالفعل فأنشئت المكتبة السعودية، التي افتتحها ولي العهد الأمير سعود يوم الثلاثاء 13 ربيع الثاني 1372هـ في حفل أقامه مدير المكتبة الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ بحضور والده المفتي الأكبر، ويغلب على هذه المكتبة الكتب الدينية.
المطالبات والاستجابة:
ورغم أهمية المكتبة السعودية ودورها الريادي، إلا أن إنشاء مكتبة عامة شاملة ومنوعة المعارف كان أحد مطالب المثقفين في مدينة الرياض، فقد كتب الأديب عمران العمران في 23 ذي الحجة من عام 1376هـ مقالة في صحيفة اليمامة بعنوان "إلى وزارة المعارف: متى تنشأ دار الكتب السعودية"، تمنى فيها من وزارة المعارف أن تتولى هذه المهمة، ويبدو أن دعوته لم تجد صدى عند الوزارة، فكتب بعدها بستة أشهر في الثامن من جمادى الثانية من عام 1377هـ في الصحيفة نفسها مقالة بعنوان "دار الكتب وأمانة الرياض" أمل فيها من الأمير فهد الفيصل، أمين مدينة الرياض أن يتبنى فكرته في إنشاء مكتبة عامة. وبعدها بأسبوع نشرت الجريدة نفسها مقالة بقلم إبراهيم الخيال أثنى فيها على اقتراح عمران، وذكر أن الأمير فهد الفيصل قد فكر في هذا المشروع من قبل وأنه طرح المناقصة لإنشاء المكتبة علنيا، ونشرت في بعض الصحف ومنها صحيفة "اليمامة"، ورسا المشروع على مقاول بتاريخ 12 ربيع الأول 1377هـ، وأنه انتهى من سقف الدور الأول، وأن المشروع أقيم على مساحة ألفي متر مسطح "عدا الحديقة التابعة لها، وهي بذاتها دوران وفيها صالات فخمة يزيد طول الصالة الواحدة على 30 مترا، كما أن فيها أقساما لجميع العلوم والفنون، وقاعة كبرى للمحاضرات.. وقد رسم لها واجهة آية في الجمال المعماري. ولم يتوقف الأمير فهد عند هذا الحد بل أعد الكتب اللازمة لها، وأودعت غالبية الكتب في مخازن خاصة بالأمانة، كما أنه قد كتب إلى جميع المكتبات في أمهات المدن لمعرفة ما يوجد من نادر الكتب الخطية والمطبوعة، ومنها مكتبة الدار البيضاء، إذ ليس بخاف على أحد أنها من أغنى المكتبات والمخطوطات النادرة". وبالرجوع إلى أعداد سابقة من صحيفة "اليمامة" نجد أن أمانة مدينة الرياض قد طرحت مناقصة إنشاء مكتبة عامة بتاريخ 20 صفر 1377هـ. ولم تمض أشهر بعد هذه المقالة إلا ودار الكتب السعودية ماثلة للعيان في حي الملز، ونشرت جريدة "عرفات" في 20 ذي الحجة 1377هـ: "تم أخيرا بناء المكتبة الخاصة التي فكرت وقامت بها بلدية الرياض، وهي الآن على وشك إعداد كل الترتيبات اللازمة لهذه المكتبة، وأن الجهود الآن مبذولة بشدة للحصول على الكتب الفنية القيمة، إضافة إلى العدد الضخم من الكتب الأدبية الثقافية العلمية الدينية التي اقتنتها منذ حين من الدهر. وقد كان هدف البلدية ولم يزل أن تكون هذه المكتبة شاملة لكل ما يمكن أن يستفيد منه الجمهور والمتعطشون للعلم والمعرفة، والمعنيون بالثقافة العامة". ثم افتتحها الملك سعود يوم الخميس الثاني من جمادى الأولى 1378هـ، على أنها قد انتهت قبل الافتتاح بأسابيع، فقد نشرت صحيفة "اليمامة" ما يدل على ذلك، ثم نشرت في 20 ربيع الثاني أن افتتاح المكتبة سيتم خلال أسبوع، وجاء في الخبر: "قامت أمانة الرياض بإنشاء مكتبة عامة اختارت لها اسم دار الكتب السعودية، ومن المنتظر أن تفتتح هذا الأسبوع. وإن كل مواطن ليقابل هذا العمل الجليل من أمانة مدينة الرياض بعظيم الشكران والتقدير، لما قام ويقوم به الأمير الجليل فهد الفيصل... ولقد كان الأمير موفقا في اختيار هذا الاسم، واختيار الموقع". وعين حسن الشنقيطي مديرا لدار الكتب. ثم انتقلت ملكية دار الكتب السعودية من الأمانة إلى وزارة المعارف بعد أن طلب ذلك وزير المعارف آنذاك الأمير فهد (الملك)، وكان الدكتور عبد الوهاب عزام، أول مدير لجامعة الملك سعود هو الذي تابع الموضوع، كما انتقل أيضا إلى وزارة المعارف البهو الضخم الذي بنته الأمانة للاحتفالات الرسمية، ويقع جوار دار الكتب.
وصف الدار:
تحدث أمين سعيد عام 1380هـ عن دار الكتب السعودية وذكر أنها: "مكتبة عامة أقيمت في مبنى ضخم بشارع الملز بجوار جامعة الملك سعود، كتب على مدخلها ما يلي: ’دار الكتب السعودية، أنشأتها أمانة مدينة الرياض خدمة للعلم، وتيسيرا للمطالعة في عهد جلالة الملك سعود بن عبد العزيز عام 1378هـ/ 1958. والمبنى من طابقين: علوي لحفظ الكتب، وأرضي خصص جانب واسع منه للمطالعة، وقسم آخر لعرض الأفلام الثقافية، مع صالة واسعة للمحاضرات وعرض الأفلام". وجاء في كتاب "الرياض في عهد جلالة الملك سعود" عند الحديث عن المكتبة الثقافية العامة: "أنشأت الأمانة دارا عامة للكتب بجوار الجامعة فيها صالة كبيرة عامة للمطالعة مزودة بعدد كبير من الكتب الدينية والفقهية وكتب اللغة والكتب العلمية والثقافية والعصرية... إلخ. وفيها صالة ثانية لعرض الأفلام الثقافية وللمحاضرات العامة. وقد سلمت هذه الدار إلى وزارة المعارف فألحقتها بجامعة الملك سعود". وزار المكتبة عصام العماد فوصفها عام 1384هـ في مجلة "قافلة الزيت" بقوله: "مكتبة ثقافية عامة فيها قاعة مطالعة واسعة، ومزودة بعدد وفير من الكتب الدينية والفقهية والشعرية والأدبية والعلمية، بعضها تراث عالمي قديم والبعض الآخر حديث معاصر. وفيها أيضا صالة لعرض الأفلام الثقافية، وللمحاضرات".
تغطية الصحافة:
وقد حظي هذا المشروع لأهميته بتغطية صحافية كبيرة، وكتب عنه عديد من المقالات، وأورد الدكتور عبد العزيز بن سلمة ذكرا لعدد من المقالات التي نشرتها صحيفة "اليمامة" حول دار الكتب السعودية، منها عدا ما ذكرت مقالتان لعبد الكريم الجهيمان، ومقالة لعلي حسن فدعق، ومقالة لعثمان شوقي، ومقالة لعبد العزيز ساب، ومقالات أخرى. وكانت المقالات تشيد بهذا المشروع، وانتقد بعضها بعد المكتبة عن منطقة الاكتظاظ السكاني، ما جعل الفائدة منها أقل لقلة زوارها. وطالبت بعض المقالات وأولها للجهيمان بنقل المكتبة من أمانة مدينة الرياض إلى وزارة المعارف، وهو ما تم.
نشرت مجلة "قافلة الزيت" تقريرا عن دار الكتب السعودية، ذُكر فيه أنها زاخرة بالكتب، وأقيمت في "مكان مناسب جدا، فهي تجاور مبنى جامعة الملك سعود في شارع الملز لتكون في متناول الطلاب وغيرهم من محبي المعرفة. ومبنى الجامعة تتجلى فيه هندسة البناء وروعة الفن المعماري الحديث". وفي مقالة لمحمد أمين التميمي، مدير عام المكتبات في السعودية نشرتها المجلة نفسها نجد صورة لدار الكتب السعودية، ويتضح فيها كثرة روادها.
وتعد دار الكتب السعودية ثاني مكتبة عامة في مدينة الرياض، إذ سبقتها المكتبة السعودية، وكما هو معروف فالذي يغلب على المكتبة السعودية هي الكتب الدينية، أما دار الكتب فامتازت بتعدد معارفها في فنون كثيرة كما سلف، وهذا وغيره ما حدا بالدكتور عبد الوهاب عزام أن يصفها بالأولى من نوعها في السعودية.
جمع الكتب والمخطوطات:
بذل فهد الفيصل جهودا كبيرة في جمع الكتب والمخطوطات لتضم إلى دار الكتب السعودية، وأرسل إلى عديد من الجهات والشخصيات داخل السعودية وخارجها من أجل ذلك. واطلع المؤرخ راشد العساكر على عدد من مراسلاته في هذا الشأن، فكتب مقالة ضمنها بعض هذه الرسائل المتعلقة بالدار، وقال فيها: "قام أمين مدينة الرياض الراحل فهد الفيصل بمخاطبة كثير من المكتبات العالمية والدول للحصول على الكتب اللازمة والمخطوطات وبالفعل أرفدت تلك المكتبة بذلك ـــ واحتفظ ببعض القوائم المطبوعة والمخطوطة لعلها تنشر فيما بعد بحوله تعالى ـــ لتكون تلك المكتبة مما يتطلع لها الطلاب والباحثون". ثم يضيف العساكر مشيرا للمخاطبات "بين أمين مدينة الرياض بصفته مشرفا على تأسيس المكتبة وبين الدول والسفارات السعودية لاستجلاب الكتب النافعة ورفد المكتبة بها لافتتاحها عام 1378هـ، حيث وجهت دعوات مماثلة إلى كل من مدير مؤسسة اليونيسكو، وسفراء السعودية في باريس، وروما، وبون، وكراتشي، ودلهي، والقاهرة، وواشنطن.. وبعض الشخصيات العلمية والمؤلفين وغيرهم. كما ستشمل الرسائل المنشورة المخاطبات الدائرة لافتتاح هذه المكتبة والتنسيق مع مدير جامعة الملك سعود آنذاك الدكتور عبد الوهاب عزام ـــ رحم الله الجميع ــــ ومخاطبة أمين مدينة الرياض إلى رئيس مجلس الوزراء بشأن بعض كتاب العراق الذي أراد أن تكون كتبه وقفا في نجد وقد أرفقت بعضا من تلك الكتب إلى فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم لانتقاء بعضها كون البعض الآخر لم يسمح بدخوله. علما أن هناك مخاطبات شتى لم تنشر". وأغلب سكان الرياض سابقا يعرفون موقع دار الكتب السعودية، وبهو الأمانة جيدا، أما اليوم فاختلف الحال، والمكان لمن لا يعرفه يقع في حي الملز عند تقاطع شارع الستين (صلاح الدين الأيوبي) مع شارع الجامعة، ويربط بينه وبين عمادة للبنات تابعة لجامعة الملك سعود جسر مشاة فوق شارع الستين.