Author

دفاعا عن الاقتصاديين

|
مستشار اقتصادي
تعرض الاقتصاديون لهجوم كاسح خاصة بعد الأزمة المالية العالمية، حين لم يتوقع أحد من مشاهير المهنة الأزمة وتوقيتها أو حدتها، بل إن النقد امتد إلى علم الاقتصاد وليس الاقتصاديين فقط، إذ لا بد أن نفرق بين علم الاقتصاد والاقتصاديين. يشعر كثير من الاقتصاديين بحالة من الظلم لأنهم يعتقدون أنهم أقرب من العلوم الاجتماعية الأخرى إلى الطريقة العلمية أسوة بالعلوم الطبيعية. وهذا يقودهم إلى محاولة اختصار نزعات وإغراءات وتصرفات البشر في معادلات رياضية تطمح إلى قياس المنفعة والدخل وحتى الرفاهية. لكن أكثر المسائل تعقيدا اليوم ليس لها حلول اقتصادية معلبة، مثل العدالة في توزيع الدخل والدعوة إلى الانتماء الوطني وتحوير الثقافة، خاصة أن الكثير يقبل علاقاتهم بالاقتصاد، لكن التعامل معهم اقتصاديا صعب القياس، ولذلك يخضع لجدل واسع. الرياضيات ساعدت على توضيح الأفكار لكنها لم تساعد في القدرة على دقة التوقعات المستقبلية. فحين يقدم الاقتصاديون حلولا تنادي بفتح التجارة وحلول السوق يبدأ المحافظ والمتحرر في النقد لهم، الأول يرى أن الشخصية الوطنية مهددة، والمتحرر يرى أن مصالح الشركات أهم من الناس. سر النجاة والتناقض هو تلك الرغبة في القياس من خلال الأرقام دون عبء العواطف، حيث يستطيع الاقتصاديون التوصل إلى طرق عملية في حال الاستعداد لتلقي النصيحة. بدأ علم الاقتصاد في القرن الثامن عشر كفرع من الفلسفة الأخلاقية - الاقتصاد السياسي من خلال أفكار وكتابات ديفيد هيوم وآدم سميث، لكن التحول حدث على أثر كتاب ديفيد ريكاردو "مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب" في 1817. الأغلبية توافق على أنه أفضل للطبيبة أن تعمل وتوظف مربية، لأن الفرصة البديلة الأفضل متوافرة، نادى ريكاردو بتوظيف هذا المبدأ للدول. فالتجارة من منظوره تبعث على المصلحة والتعاون وتحقيق السلام بين الدول، وما زال أغلب الاقتصاديين يتفقون مع هذا الطرح. كثير من غير الاقتصاديين وجد الطرح والنتائج غير مقبولة، لكن علم الاقتصاد لم يزدهر حتى جاء الكساد الكبير، وتكون الاقتصاد الكلي بتركيزه على السياسات العامة على التفاعل بين الاستهلاك والاستثمار والتوظيف وأسعار الفائدة جميعا. لعل أشهر تهجم حدث للاقتصاديين محاكمة الاقتصادي اليوناني أندريس جورجيو "رئيس هيئة الإحصاءات"، الذي حكم عليه بالسجن إثر اتهامه بالكشف عن حجم ديون اليونان الحقيقي، ما سبب الحاجة إلى سياسات تقشفية، ما سبب هربه من اليونان ونجوميته لدى منظمة الاتحاد الأوروبي. حرص أندريس على الأرقام سبّب إشكالية اقتصادية سرعان ما أصبحت قانونية وسياسية، حيث نبذه اليسار واليمين. اليسار يكره التقشف واليمين يكره تدخل الدول الأخرى في القرار الوطني. النقد للاقتصاديين جاء من مصدرين الأول من اليسار الذي يعتقد أن الاقتصاديين يبالغون كثيرا في المراهنة على عقلانية الفرد، والثاني من القوميين في الدول الأكثر رفاهية في معارضتهم للانفتاح على حركة الهجرة والبضائع ورؤوس الأموال وبالتالي تآكل السلطة الوطنية. زاد على ذلك فشل علم الاقتصاد في التنبؤات المستقبلية، حتى بعد الأزمة على سبيل المثال حذر رئيس البنك المركزي البريطاني من حدوث أزمة على أثر التصويت بالخروج من أوروبا، لكن لم تحدث أزمة اقتصادية في بريطانيا، وحذر كثير من انتخاب ترمب لتأثيره سلبا في الأسواق، وهذا لم يحدث، بل ارتفعت الأسواق على الأقل إلى حد الآن. يرفض كثير من الاقتصاديين هذا النقد، فرينز "في ورقة بحثية لأستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد" مثلا يذكر أن لا أحد ينقد مهنة الطب لأن المريض توفي، أو أن الطبيب لم يستطع إنقاذه.
إنشرها