Author

الخطط الحياتية لا قيمة لها

|
هل يمكن أن نقول – بعد أن جاهد الاستراتيجيون والإداريون لتوضيح قيمة التخطيط – إن الخطط بكل بساطة لا قيمة لها؟! من غير المعقول أن ينسف أحدهم فائدة الخطة والتخطيط بعد أن تم دمجهم في معظم التطبيقات الحياتية بل صنعت الجامعات والشركات المناهج والأقسام المتخصصة في التخطيط. أقول مع اعتذاري لكل استراتيجي يقدس التخطيط: في الأمر تفصيل. حاولت أكثر من مرة شرح الفكرة التي تقول إن المفاجأة جزء من الخطة الجيدة، تلك الخطة التي تحوز هامشا للفروقات يتجاوز ربما النتائج المرجوة بأكثر من 40 أو 50 في المائة. وكان دائما ما يكون السؤال: إذا كانت نتيجة التخطيط لا تتحقق، وهناك دائما مفاجآت وتغييرات، فلماذا نضيع وقتنا على التخطيط؟ لم أجد أفضل من إجابة المخطط المالي كارل ريتشارد الذي يقول فعليا إن الخطط لا قيمة لها، بينما عملية التخطيط عملية حيوية. الخلط بين الخطط والتخطيط هو أحد أهم أسباب التردد في القيام بالتخطيط الذي يتطلب استعدادا نفسيا ومعرفيا، ويصبح جهدا لا طائل منه – عند من يخلط بين التخطيط والخطط – خصوصا إذا اعتقدنا مبكرا أن النتيجة لن تكون كما نتوقع. يقول كارل إن التخطيط "عملية مبنية على الواقع وتفسح مجالا لعدم قابلية الحياة للتنبؤ، وتتطلب منا أن نتخذ قرارات بناء على ما يحدث بالفعل بدلا من اتخاذ قرارات بناء على ما نأمل أن يحدث". وهذا هو الفارق، قيمة التخطيط في تجربته، في الاندماج والتفاعل مع الواقع والاحتمالات، وفي دراسة الخطوات المستقبلية بأكثر من طريقة وأسلوب وفي فهم درجة المرونة التي نحتاج إليها، بغض النظر عن الخطط التي يمكن أن نضعها. اكتشاف الذات والقدرات والتعرف على الظروف المحتملة يمنح الشخص عناصر قوة وثقة تنفعه حتى لو تبدل الواقع ولم يعمل فعليا كما توقع. يسوق كارل عشرات الأمثلة المالية للآلية التي يعمل بها التخطيط وتفشل عندها الخطط، من صاحب مشروع ناجح تصله عروض الشراء بالملايين ولاحقا يبحث عن عمل، إلى متقاعد حريص اختفت ثلث ثروته التي عمل لها طوال حياته. منهم من يتمكن من استعادة نجاحاته بسرعة ويسترد عافيته في وقت قصير جدا، وغيرهم من يقع بين جدران خطته القاصرة وسوء فهمه لعملية التخطيط. يشرح كارل كيف أن العبرة في النهاية بالاستفادة من تجربة التخطيط والتأقلم مع التغييرات، وهو أمر يجعل التخطيط أكثر قيمة ويقلل كثيرا من فائدة الخطط. في نظري لا تمثل الخطة إلا صورة مقطعية مؤقتة مفترضة لنتائج التخطيط، والواقع في حقيقة الأمر ليس صورة مقطعية وإنما عملية ديناميكية متحركة. نستطيع جر أمثلة التخطيط والخطط المالية إلى كل الأمور الحياتية الأخرى، أحد أقرب الأمثلة هو التخطيط المهني. من الجميل أن يملك الطالب خطة مهنية جيدة. ولكن الأهم أن يقوم بعملية التخطيط بنفسه، وأن يعرف كيف يمارسها كل مرة من جديد حتى يتمكن من إعادة تصنيع خطته المهنية كما يجب وحينما يحتاج. لهذا السبب تحديدا، ضرر الخطة المهنية التي يصنعها المدرب للطالب، أو يشتريها الطالب من موقع على شبكة الإنترنت أكبر من نفعها، بل هي خداع للطالب إذ تصور له بأنه قام بعملية التخطيط وهو فعليا لم يحقق أي فوائده، مثل الوعي بالقدرات وتجربة المحاكاة فكريا وتوقع الظروف والتغييرات. ومثل الطالب الذي لا يخطط ولكن يبحث عن خطة مهنية يشتريها ويحاول تحقيقها نجد صاحب المشروع الذي لا يغوص في دراسة الجدوى ولا يعي منطقها وتفاصيلها إذ تجده يبحث عن أحدهم ليقدم له خطة عمل جاهزة. وبعد الخسارة يلوم طرفا آخر سواء كان الجهات الحكومية أو السوق والعملاء أو حتى المستشار الذي باع له خطة العمل. الربط الخاطئ بين ثلاثي التخطيط والخطة والواقع موجود حتى عند من يديرون المشاريع والشركات وداخل الأسرة وتقريبا في كل تخطيط حياتي نقوم به. التفريق بين الخطط والتخطيط أمر بسيط ووعي لطيف ولكنه يغير كثيرا من أسلوب تعاملنا مع الواقع.
إنشرها