Author

الوقت يخنق قطر اقتصاديا

|

تطورت المقاطعات عبر السنين لتأخذ أشكالا عدة بين دول وشعوب كثيرة، حيث تأخذ المقاطعة عدة مستويات منها المقاطعة السياسية، والاقتصادية، والرياضية، وتنقل المواطنين، والانتخابات وغيرها الكثير أو كلها مجتمعة، وهي عادة تكون نوعا من أنواع المعاقبة على موقف أو نزاع بين طرفين يتم فيه إيقاف التعامل على نشاط معين أو على كل الأنشطة كما يحدث مع إسرائيل. عبر التاريخ هنالك كثير من المقاطعات التي حدثت سواء كانت بين دول أو بين مجموعات من الناس ضد منظمات أو شركات، مثل مقاطعة الصين لأمريكا في أوائل القرن الـ 20 أو مقاطعة الصين لليابان والهنود بقيادة غاندي ضد إنجلترا وغيرها كثير، ووصولا إلى المقاطعة الأكبر والأطول وهي مقاطعة الدول الإسلامية لإسرائيل. طبعا هذا غير عشرات المقاطعات ضد الشركات التي تحدث وبشكل مستمر كتعبير عن عدم الرضا عن موقف ما لهذه الشركات أو لموقف بلادها كما حدث مع مقاطعة المنتجات الدنماركية في فترة سابقة.
لعل أقوى أنواع المقاطعات (بعد المقاطعة الشاملة) هي المقاطعة الاقتصادية، خصوصا في العصر الحالي، حيث يعتبر الاقتصاد المحرك الرئيس (وليس الأوحد طبعا) لأغلب القرارات السياسية والدبلوماسية حول العالم، ولذلك نجد أن المقاطعات الاقتصادية هي أقوى وأشد المقاطعات تأثيرا في الدول، مثل ما حدث في السبعينيات من القرن الماضي عندما أعلنت المملكة مقاطعتها للدول الغربية في بيع البترول. طبعا بسبب السلعة والحجم كان التأثير هائلا في الاقتصاد العالمي.
ما يحدث اليوم من عقوبات ومقاطعة اقتصادية ودبلوماسية ضد قطر، إنما هو رد فعل على تجاوزات حكومتها، ولإحداث النتيجة المطلوبة لابد من عقوبات ومقاطعة فعالة، ولذلك نجد أن المقاطعة أخذت موقفا متشددا وقويا ضدها في وقت يعتبر حساسا لدولة قطر، حيث إن الحكومة القطرية لديها مشاريع كبيرة داخل البلد واستثمار في البنية التحتية وتجهيز واستعداد لاستضافة حدث ضخم وكبير وهو كأس العالم، لتأتي المقاطعة في منتصف الطريق حيث لا تستطيع التراجع عن ما بدأته ولا تستطيع أن تنفذ المتبقي بسهولة. إن بلدا مثل قطر صغير بحجم المساحة، ويفتقر إلى أغلب الموارد ما عدا النفط والغاز، لا يمكن أن يستكمل نهضته الإنشائية والعمرانية دون علاقات جيدة مع الجيران، وبالأخص السعودية، التي كان يعتمد عليها في كل احتياجاته من مواد البناء ناهيك عن المواد الغذائية. نعم ستبحث الحكومة القطرية عن منافذ وقنوات إمداد أخرى لكن ما هي التكلفة؟ وهل الوقت سيساعدها على تنفيذ مشاريعها في الوقت المطلوب؟ الجواب في الأغلب لا، لن تستطيع تنفيذ مشاريعها في الوقت المطلوب مع استمرار المقاطعة وبكل تأكيد التكلفة سترتفع كثيرا وخارج النطاق المستهدف والجدوى الاقتصادية، لذلك حكومة قطر تقاتل لتسبق الوقت لفك المقاطعة، ليس عبر تنفيذ المطالب بل عبر اللجوء إلى المنظمات الدولية والدول الأجنبية التي إلى هذا اليوم فشلت في كل ما سعت إليه، وتم رفض تدخل جميع الدول، وتم رفض طلبها من قبل المنظمات المعنية مثل أياتا وغيرها.
يوما بعد يوم تتقلص الحيل والخيارات على حكومة قطر، وبعد أن كانت في أول أسابيع الأزمة على ثقة بإنهائها بطريقتها، اليوم وبعد أن استنفدت جميع حيلها وخياراتها أصبحت ترى الطريق مسدودا بشكل أكثر وضوحا، وبالنسبة للدول الداعية لمكافحة الإرهاب أصبحت أكثر ثقة وإصرارا على موقفها بعد نجاحها في سد كل حيل وخيارات حكومة قطر، بل قد تسعى لتصعيد أكثر شدة على حكومة قطر في خطوة تؤكد الثقة باستراتيجياتها. لم ينفع قطر كل "البعبعة" والمفرقعات والأكاذيب الإعلامية عبر قنواتها الإعلامية، ولم ينفعها الاستجداء بالأجانب ولا المنظمات الدولية، لثني الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.
ومع مرور الوقت يزيد ثقل العقوبات والمقاطعة الاقتصادية على قطر والبيانات الاقتصادية بدأت تعكس الوضع اليوم، حيث انخفضت الاحتياطيات جراء الأزمة من 35 مليار دولار إلى 24 مليار دولار مقارنة بمستوياتها قبل سنة، والودائع هبطت كذلك وبشكل كبير فخلال ثلاثة أشهر فقط (مايو ويونيو ويوليو) فقد النظام المصرفي القطري أكثر من 65 مليار ريال قطري (من أجانب وقطاع خاص)، وبشكل متسارع خلال آخر شهرين، وهو يشير إلى تسارع خوف المستثمرين من الوضع الداخلي وإلى نجاح أثر المقاطعة، وهذا أثر في مستويات السيولة لدى القطاع المصرفي حيث ارتفع سعر الإقراض بين المصارف وبشدة من 1.8 في المائة لثلاثة أشهر إلى 2.6 في المائة، في تطور مزعج للوضع الاقتصادي. وعلى صعيد الواردات انخفضت بمقدار 40 في المائة عن السنة الماضية وهو مؤشر سيئ عن الوضع الاقتصادي، وفي حال استمرار التراجع سيعطي مؤشرا على فشل الحكومة في توفير بدائل مناسبة للسوق المحلية. تحاول الحكومة تغطية آثار المقاطعة وتدهور الوضع في النظام المصرفي عبر ضخ السيولة والاقتراض. خلال الفترة الماضية اضطرت الحكومة إلى بيع حصة من استثماراتها في بنك كريدي سويس لتوفر سيولة تضخ في المصارف. مصادر الإيرادات لقطر عبارة عن: الغاز، النفط والاستثمارات، بالنسبة للغاز فالسوق متشبعة بل فيها وفرة معروض كبيرة لذلك من الصعوبة على قطر بيع المزيد أو التوسع في الحقول بسبب استحالة بيعها في سوق متخمة. أما بالنسبة إلى النفط، فكونها عضوا في "أوبك" سيمنعها من زيادة الإنتاج المتفق عليها بين الأعضاء. إذن لا يتبقى لقطر لتمويل العجز وتمويل تكلفة المقاطعة إلا استثماراتها الخارجية ولذلك سنشهد مزيدا من بيع الاستثمارات خلال المدة القادمة، وهو الحل الذي لا تتمناه قطر حيث لا يوجد مستثمر يريد أن يجبر على التخارج من استثماره في الوقت الخطأ حيث أهم ما في الاستثمار هو توقيت الدخول والخروج.
ختاما، الدول الداعية لمكافحة الإرهاب تلعب على الوقت حيث يقف إلى جانبها تماما في هذه المسألة، بينما قطر في كل يوم يزيد الخناق عليها اقتصاديا، وترتفع تكلفة المقاطعة أكثر وأكثر مهما بحثت عن بدائل، لتلجأ إلى الحلول الأكثر إيلاما لها وهي التخارج من استثماراتها، لذلك تحاول جاهدة إيقاف المقاطعة وبسرعة، لكن جميع هذه المحاولات انتهت والوضع لم يتغير بل ازدادت هذه الدول إصرارا وهي تجلس بهدوء وبكل ثقة تراقب ماذا يفعل الوقت باقتصاد قطر. ومهما حاولت وسائلها الإعلامية تغطية وتحريف الأخبار وتوجيه الضوء وبشكل يائس ومثير للشفقة نحو قضايا لن تفيد ولن تنجح في حل القضية، اليوم الدول الداعية لمكافحة الإرهاب تجلس وبهدوء وبكل ثقة تراقب ماذا يفعل الوقت باقتصاد قطر.

إنشرها