Author

«الرشاقة» تخفض أقساط التأمين

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"هناك ما هو أسوأ من الموت في هذه الحياة. هل قضيت أمسية مع سمسار تأمين؟" وودي ألان ممثل ومخرج وكوميدي أمريكي أكثر المؤسسات تدقيقا في تاريخ وحاضر ومستقبل عملائها هي المصارف وشركات التأمين. الأولى، لكي تضمن قروضها خوفا من أن تتحول لاحقا إلى معدومة أو سيئة أو مشكوك في تحصيلها. والثانية، من أجل تقليل أكبر للمخاطر، بصورة تحفظ أرباحها أو على الأقل تحد من تراجع هذه الأرباح. أسئلة هذه المؤسسات للعملاء تشمل تقريبا كل شيء، من تاريخ الأمراض القاتلة في الأسرة، إلى عدد السجائر التي يدخنها العميل إن كان مدخنا، إلى شرب الكحول، والهوايات الخطيرة التي ربما يمارسها. هناك أسئلة من شركات التأمين مثلا، حول عمر السيارة التي يقودها، وأخرى من المصارف بخصوص مستوى "كرم" العميل مع أهله أو أصدقائه، وليس الإنفاق فقط. "تحريات" تنال مباشرة من صميم الخصوصيات الشخصية. بعض الأسئلة يمكن اعتبارها مهينة، وبعضها الآخر بشع وغير قابلة للإجابة. في إحدى المرات تمادى أحد المصارف البريطانية وتحرى عن مستوى الحب بين زوجين يطلبان قرضا كبيرا! وما لا شك فيه أن لهذه المؤسسات طرقها السرية في التحري، ولجانها النفسية في صناعة الأسئلة. والهدف طبعا، يبقى ضمان أرباحها وعدم تعرضها للخسائر. في السنوات التي أعقبت الأزمة الاقتصادية العالمية، غرقت غالبية هذه المؤسسات، بحيث طلبت العشرات منها (ولاسيما الكبيرة) الحماية من الحكومات. بعيدا عن هذا الجو "الاستخباراتي" و"الجيمس بوندي" الذي يتعرض له العميل، بدأت شركات التأمين (خصوصا في الولايات المتحدة)، صيغة جديدة في إطار الحفاظ على أرباحها. وهي من النوع الذي يصعب حقا الهجوم عليه أو تعريته. وتتلخص في تشجيع هذه الشركات لعملائها على ممارسة الرياضة بصورة منتظمة، مقابل تخفيض أقساط التأمين الشهرية عليهم! وبالطبع لا تكتفي هذه الشركات بـ "كلمة شرف" من العميل بأنه يمارس الرياضة، وأنه لا يمكنه أساسا بدء يومه إلا بها. هذا لا قيمة له. فلا شك في أن الجميع سيقولون ذلك إذا ما كان الأمر يتعلق بتخفيف الأعباء المادية، وربما ذهبوا "متعرقين" ولاهثين إلى موظف شركة التأمين للتأكيد على صدقهم! أو قد يجلبون بطاقات اشتراك في أحد النوادي الرياضية، وحتى شهادات من مدرب. ولأن الأمر بالقطع مشكوك فيه، فقد اعتمدت الشركة صيغة متطورة ولكنها قد تبدو مهينة بعض الشيء. ماذا فعلت؟ عرضت على عملائها لبس أساور إلكترونية تقيس عدد الأمتار التي يقطعونها، بل عدد السعرات الحرارية التي يحرقونها! وبالطبع هذه إشارة واضحة على مدى إيجابية صحة العميل المستهدف. بالتأكيد هي صيغة جيدة من الناحية الشخصية المباشرة للشخص المعني. بعض الناس باتوا يستخدمون هذه الأساور طواعية ودون ربطها أساسا بالتأمين أو غيره، والبعض الآخر يلجأ للهواتف الذكية التي توفر هذه الخدمات الصحية المتطورة جدا. وهي ببساطة، آلية مراقبة للجسم وحراكه، توفر أرقاما غالبا ما تكون محفزة للقيام بالمزيد، باستثناء أولئك الذين يشعرون بالإحباط السريع من كل شيء. أساور شركات التأمين، لا تعني بالضرورة (مثلا) أن التأمين الصحي على أبطال الجري، أو ألعاب القوى، أو أي رياضات أخرى.. سيكون مجانيا. لا أحد يحلم بذلك. فالتأمين وُجد للربح أولا. المهم في الأمر هو حساب احتمالات الوقوع في الأمراض، ولاسيما تلك الناجمة عن البدانة والغذاء السيئ، وبالطبع عدم ممارسة الرياضة أساسا. ورغم الشكوك التلقائية التي تحيط بشركات التأمين عموما (وهي شكوك باتت بدهية طبيعية)، إلا أن هذه الشركات تتعرض لخسائر بالفعل، أو على الأقل تواجه انخفاضا كبيرا في أرباحها. ففواتير الأدوية ترتفع مع ارتفاع مستويات استهلاكها، وأسعار هذه الأخيرة نفسها لا تتوقف عن القفز إلى الأعلى، رغم كل المطالبات العالمية لشركات الإنتاج بخفض الأسعار و"الرحمة". وقيمة الدواء المرتفعة لا تختص بشركات التأمين فقط، بل تشمل بالدرجة الأولى أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على الخدمات التأمينية الصحية أصلا، ويضطرون لشراء أدويتهم من مداخيلهم وغالبيتها محدودة، ما يؤثر سلبا في إنفاق الأسر على أمور أخرى ذات أهمية كبرى أيضا. اللافت في الأمر، أن المؤسسات التي تقوم بالتأمين الصحي على موظفيها انضمت إلى شركات التأمين في عروضها الجديدة. والأمر مفهوم بالطبع، فهذه المؤسسات هي التي تدفع أقساط التأمين الواجبة على الموظفين، وبالتالي فإن الخفض المعروض للأقساط بمجرد وضع "أساور الرشاقة" يعود بالفائدة عليها أيضا. في العام الماضي بلغت نسبة الشركات الأمريكية (وأصحاب العمل) التي زودت موظفيها بهذه الأساور أكثر من 37 في المائة. وهذا معدل مرتفع، ولاسيما أن الفكرة نفسها حديثة الطرح. ما يعني أن شركات أخرى كثيرة ستنضم إلى حملة الرشاقة الجديدة، التي تهدف بالدرجة الأولى لتوفير الأموال على المؤسسات وأصحاب العمل وشركات التأمين، ولا بأس إن كان لها انعكاسات إيجابية على صحة الأفراد المستهدفين. بمعنى أن الهدف مالي- صحي، وليس العكس.
إنشرها