Author

النازحون .. إلى أين؟

|
تشهد الدول العربية خصوصا والإسلامية عموما موجات من النازحين عن ديارهم نتيجة الحروب الأهلية والطائفية بسبب الدين أو العرق أو الانتماء لمجموعة اجتماعية معينة أو بسبب الآراء السياسية، حيث لا يستطيعون العودة إلى بلادهم خشية الاضطهاد أو القتل. وقد ابتليت الدول العربية أكثر من غيرها بوباء يحمل وجهين: وجها طائفيا وآخر تشددا دينيا، وقد دمر هذا الوباء الحرث والنسل وشرد الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ. ولا شك أن ظهور هذا الوباء خلال السنوات الأخيرة زاد أوضاع الدول العربية سوءا، فلم يقتصر على تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع البطالة وضيق العيش، بل حول معظم الدول الإسلامية والعربية -باستثناء دول الخليج العربي- إلى مناطق طرد سكاني. تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن معظم المهاجرين بين الدول يتجهون إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، فأكبر عدد من المهاجرين 47 مليونا يعيشون في الولايات المتحدة، أي بما يعادل نحو 20 في المائة من المهاجرين على مستوى العالم، وهذا بلا شك إثراء للمجتمع الأمريكي، يمنحه فتوة أكبر مقارنة بالمجتمعات الأوروبية الهرمة أو اليابان الذي يعاني الشيخوخة ويمثل كبار السن قرابة ثلث السكان 28 في المائة. وبعد الولايات المتحدة، يحتل كل من ألمانيا وروسيا المرتبين الثانية والثالثة من حيث عدد المهاجرين، 12 مليونا في كل منهما، وتأتي السعودية في المرتبة الرابعة بعدد 12 مليون وافد، وتليها الإمارات، وكندا، وفرنسا. وأسهمت الهجرة في النمو السكاني في أمريكا الشمالية بنسبة 45 في المائة، ونحو 32 في المائة من النمو السكاني في أستراليا ونيوزيلندا. ولولا تدفق الهجرة إلى أوروبا لتناقص عدد سكانها نتيجة انخفاض معدلات الخصوبة إلى ما دون مستويات الإحلال. وتجدر الإشارة إلى أن المهاجر هو الشخص الذي يقطن في بلد غير البلد الذي ولد فيه، ويختلف عن اللاجئ الذي ينزح قسرا دون الرغبة أو القدرة على العودة إلى بلاده. من جهة أخرى، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك 24 شخصا يجبرون على النزوح من ديارهم كل دقيقة على مستوى العالم، فبناء على إحصاءات 2014، هناك قرابة 20 مليونا مسجلين تحت إشراف الأمم المتحدة، أكثر من نصفهم فروا من ثلاث دول إسلامية (سورية، وأفغانستان، والصومال). ومن المؤلم أن المسلمين أنفسهم هم من يشردون أبناء جلدتهم من المسلمين ويجبرونهم على النزوح القسري من ديارهم بعد تدمير منازلهم باسم الدين، بل باسم الفهم الخاطئ والتشدد الديني والفكر الإقصائي التكفيري. ومن المؤسف كذلك أن الدول العربية تتمتع بثروات طبيعية وبشرية لو أُحسن استخدامها والاستفادة منها لتمكنت الدول العربية من منافسة الدول الأكثر تقدما، ولكنها ابتليت بسوء تخطيط، وغياب رؤية استراتيجية صائبة، وفساد مستشر، إضافة إلى ضعف النظم التعليمية وقمع الفكر وعدم تشجيع البحث العلمي. ولا شك أن هذه المعطيات مهدت الطريق للطامعين في تفكيك الدول العربية وإضعافها. ومما يثير الاستغراب الشديد أن بعض المهاجرين الذين يفرون من الجور والظلم والبطالة في بلدانهم العربية والإسلامية ينقلبون على البلدان المستضيفة لهم وينكرون جميل استضافتها، بل يكنون لها ولمواطنيها العداء دون وجه حق أو منطق، ولا يكتفون بذلك بل ينضمون لجماعات إرهابية تزعزع الأمن وتزهق أرواح الأبرياء من خلال الدهس والتفجيرات. وأخيرا من المستغرب أن الدراسات العربية الجادة نادرة في هذا الموضوع، فالاعتماد الكلي على المؤسسات البحثية في الدول الغربية لفهم إحصاءات النازحين وأوضاعهم دون مشاركة تذكر من المؤسسات البحثية في البلدان العربية التي تعاني هذا النزوح البشري الهائل.
إنشرها