Author

مطلوب هيئة عامة .. لحماية وتطوير تراث جدة التاريخي

|
الحريق الذي اندلع في ستة من بيوت جدة التاريخية في الأسبوع الماضي هو بمنزلة إنذار للجنة العليا المشرفة على مباني جدة التاريخية. إن اندلاع حريق كبير بهذا الحجم يضع تراث جدة التاريخي في مهب الضياع، إنه حريق لتاريخ مدينة عريقة ، كما أن تكرار الحرائق في جدة التاريخية بهذا الشكل الدوري يدل على أن وسائل حماية الآثار في جدة التاريخية ضعيفة أو غير متوافرة بالقدر المطلوب. إن اندلاع النيران في بيت الحلواني، ثم تسلل ألسنتها إلى خمسة بيوت أخرى يدل على أن وسائل مكافحة الحرائق في جدة التاريخية مفقودة أو غير فعالة، بدليل أن حريقا يشتعل في بيت واحد يتسلل بسهولة إلى مجموعة أخرى من البيوت ويساويها مع الأرض بعد أن كانت منارات تتحدث عن عبقريات غابرة بنيت وعلت بمهارة نادرة وفائقة. إن نظام السياحة والتراث الوطني الذي أصدرته الدولة حديثا في عام 2011 يؤكد أن آثار المملكة ثروة وطنية، وحمايتها واجبة تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتضامن مع كل الجهات ذات العلاقة بحماية ممتلكاتنا من التراث الوطني. وحسنا فعلت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حينما أصدرت أخيرا أمرا ملكيا بإنشاء الهيئة العليا لتطوير العلا، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن جدة التاريخية في أمس الحاجة إلى إنشاء هيئة ملكية عليا تعنى بتطوير وتسويق واستثمار تراث جدة التاريخي الذي يتعرض للإهمال وينذر باحتمالات تراجع اليونسكو عن وضع جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي. إن جدة التاريخية التي نفخر بها هي كتل البنايات والبيوت التي أنشأها الأجداد في هذه البقعة من أراضي جدة التاريخية، ولا شك أن بيوت جدة التاريخية تعبر عن عبقريات ذلك الجيل الرائع الذي أبدع في بناء منظومة أصبحت بعد مئات السنين من التراث الإنساني الفريد الذي تفخر به الإنسانية وتعطيه ميزة البقاء والاستمرار إلى ما لا نهاية في حياة البشرية. والحقيقة أن بيوت جدة التاريخية في حاجة إلى إعادة تأهيل ويجب أن تتضمن عمليات إعادة التأهيل بناء شبكة إلكترونية تقوم على تطوير وحماية كل البيوت التاريخية بوسائل التقنية العصرية، بمعنى يجب أن تتوافر في البيوت التاريخية في جدة وسائل التشغيل الفوري لإطفاء الحريق، وكذلك أجراس الإنذار من حريق وشيك وغير ذلك من وسائل مكافحة الحرائق المدمرة. المؤسف أن اهتمامنا بالآثار اهتمام منقوص، فنحن نهتم جدا بوضع آثارنا ضمن قائمة التراث العالمي، ولكن لا نهتم مع الأسف بصون هذا التراث العمراني الفريد وإبقائه في قائمة التراث العالمي بصورة دائمة، ونظن خطأ أن وضع تراثنا ضمن قائمة التراث العالمي هو آخر المطاف، في وقت كان يجب أن ندرك أن وضع آثارنا في قائمة التراث العالمي هو بداية بناء منظومة التراث الوطني ليكون موردا وطنيا من موارد الدولة. ونلاحظ مع الأسف في كل منظوماتنا التراثية أننا لم ننشئ منظومة إدارية تدير التراث وتحافظ عليه وتطوره وتسوقه حتى يصبح موردا اقتصاديا ثريا للوطن. إن مناطق الآثار في كل دول العالم من المناطق الثرية والحساسة التي تعطيها الدول أقصى درجات الحماية والاهتمام، وفي الدول المتقدمة تحاط مناطق الآثار بسياج من الحماية والصون بعيد المدى، ولا تتركها عرضة للنهب وإشعال الحرائق والإهمال بكل أشكاله. والمؤسف أن جدة التاريخية رزئت بالإهمال حتى أصبح من يسكنها هم من فقراء العمال أو من مخالفي الإقامات النظامية الذين يخالفون الأنظمة ويتسترون بالبيوت القديمة المهملة التي أصبحت ملاذا للهاربين والمخالفين لنظام الإقامة. أعود مرة أخرى وأؤكد أن المناطق الأثرية في الدول المتقدمة هي من كنوز الحكومة ومصدر تمويلها ومواردها، وعلى الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني أن يعملا يدا بيد وفكرا بفكر على صون وتطوير كنوز التراث الوطني، وألا يتركا التراث الوطني في متناول أعداء الدولة ممن يعيثون في الأرض فسادا ويخربون الأموال والممتلكات. وأجدها فرصة كي ألفت النظر إلى أن إهمال منطقة جدة التاريخية وعدم إعطائها العناية اللازمة من قبل بعض المؤسسات الحكومية ومن قبل المجتمع المدني سيعرضها للمراجعة من قبل اليونسكو التي وضعتها في عام 2013 ضمن قائمة التراث العالمي جنبا إلى جنب مع كل آثار الدول العريقة صاحبة الحضارات الإنسانية المشعة. وألفت النظر بقوة إلى أن اليونسكو لن تقف مكتوفة الأيدي أمام إهمالنا لثروة من ثروات التراث الإنساني العريق، بل أودعت اليونسكو هذا التراث الثمين أمانة لدى الدول التي تملكه بأمل أن يحظى على أعلى درجات الرعاية والاهتمام، أما إذا أهملت هذه الدولة أو تلك حماية ورعاية التراث الإنساني المشع من أراضيها، فإن اليونسكو ستتخذ الإجراءات الكفيلة بضمان المحافظة على التراث الإنساني بعيدا عن الدول التي لم تقم بواجبها حيال المحافظة على التراث وصونه وحمايته. دعونا نكون صرحاء. إن منظومة آثار جدة التاريخية تحتاج إلى (إدارة) عصرية تفهم معنى وقيمة الآثار ووضع استراتيجية العناية بها وصونها مع ضرورة وضع منظومة كاملة للتطوير والتسويق والاستثمار. أما أن نترك جدة التاريخية من دون استراتيجية للتطوير والاستثمار، فإننا سنعرضها في المستقبل إلى مزيد من الضياع!
إنشرها