Author

الشباب .. وتحديات العصر

|

لكل مرحلة عمرية من مراحل الإنسان خصائصها ومشكلاتها والتحديات التي تواجهها، ومرحلة الشباب في كل مجتمعات الدنيا تمثل مرحلة مهمة وأساسية في تشكيل الفرد فكريا، ووجدانيا، واجتماعيا، ومعرفيا، ومهاريا بما يهيئه للحياة، ويجعله مواطنا صالحا يسهم في خدمة وطنه، ومجتمعه، خاصة في زمن كثرت فيه التحديات، بكل أنواعها، مع انتشار التقنية ووسائل التواصل التي لا حدود، وعوائق في طريق وصولها لكل فرد، مهما كان عمره، ومعرفته، ونضجه.
أبناء وطننا ليسوا استثناء، فما ينطبق على غيرهم ينطبق عليهم، فهم يتعرضون لتحديات جمة، يمكنهم تجاوز بعضها، والوقوف عاجزين أمام البعض الآخر.
لو أردنا تناول بعض التحديات التي تواجه فئة الشباب، لوجدنا أن أهمها تحدي المحافظة على الهوية، ذلك أن الهوية ركيزة الشخصية، وبقدرة الفرد، ومعه، ومن ورائه المجتمع على غرس الهوية، وتشكيلها بالشكل السليم، والواضح توضع اللبنات الأساسية في تكامل الفرد، ونموه السليم، بعيدا عن التشتت، والضياع، وفي سير البعض من أبناء وطننا، وغيره من الأوطان ما يؤكد قيمة الهوية في حياة الفرد، والمجتمع، فكلما التف الناس على هوية جامعة، قويت الجبهة الداخلية، وصمدت أمام التحديات الخارجية التي يصعب حجبها، أو التحكم فيها في زمن لم يعد هناك مجال لرقيب، كما كان في السابق، حينما كانت تمزق بعض الصفحات، أو تطمس لإخفاء ما فيها من كلام، أو صور.
في مجتمعنا، كما في مجتمعات أخرى، كانت تمنع بعض المقالات، وبعض الكتب في محاولة لتحصين الشباب من بعض الأفكار السياسية، أو المعتقدات، أو محافظة على قيم المجتمع من أن تلوث بفعل ما يفد من خارج الحدود.
الأفلام، والكتب، والمجلات، والصور، وكل مصادر التأثير تصل، وبسرعة فائقة إلى الشاب، وهو في منزله، أو جامعته، أو في المقهى مع زملائه، أو في السوق مع غياب الرقيب، من أسرة، أو جهة رسمية، ومن ثم تحدث التغيرات الفكرية، والاعتقادية لتتوج في السلوك، إن حسنا، أو سيئا، ولذا تأتي أهمية الطفولة في وضع بذرات الهوية في مرحلة الحضانة، والعناية بها حتى لا يصل إلى مرحلة الشباب إلا وهو متحصن وقادر على التفكير السليم وفق مرجعية متكاملة بعيدة عن التشتت والضياع.
التوسع في مدارس رياض الأطفال، سمة الدول المتحضرة، وحاجة ملحة تقتضيها ظروف العصر، وما يحمله من تحديات، لا تقتصر على التحدي العقدي، بل تتضمن التحديات الفكرية، والقيمية، والانحرافات السلوكية التي يروج لها من خلال التقنية بوسائطها المتنوعة. ندرة الأعمال، نظرا لكثرة المتنافسين عليها، مع اختلاف مؤهلاتهم، وخبراتهم تمثل تحديا مهما، وأساسيا، ويزداد التحدي مع انفتاح سوق العمل لدينا على الخبرات الوافدة، أفرادا، وشركات، خاصة بعد السماح للشركات الأجنبية بالاستثمار في المملكة بنسبة 100 في المائة، وما من شك أن أرباب العمل لن يكون اختيارهم للأقل خبرة، وتأهيلا، بل المؤكد اختيارهم للأكثر كفاءة لتحقيق الأرباح التي جاءوا من أجلها.
منافسة الخبرة الوافدة، ليست مهمة الفرد وحده مع ما يتوقع منه من تفوق في دراسته، وبرنامج تدريسه فقط، وإنما عليه تطوير نفسه، واهتبال الفرص المتاحة له، خاصة ما يعرض من ورش عمل، ودورات، أو ما يقدم من تعليم عن بعد، بل إن المجتمع يتحمل القسط الأكبر من مسؤولية الإعداد، وإعادة التأهيل من خلال البرامج التي يلزم استحداثها، وتطويرها حسب احتياجات سوق العمل في زمن متطور.
من التحديات التي تواجه الشباب الشعور بالانتماء لوطن، ومجتمع له خصائصه المميزة له، كما توجد خصائص يشترك فيها مع غيره من المجتمعات، وفي مرحلة الشباب قد لا يكون من السهل إدراك ما يجب التميز به، ويختلط الأمر على البعض، وفي نقاشي مع بعض طلاب الجامعة أجد حالة الالتباس، وعدم الوضوح ماثلة لدى البعض، وكأنهم يأخذون بمفهوم النزعة الأممية التي تتجاوز الخصائص المميزة، وتتجاهلها، رغم أنها حقيقة ماثلة في واقع المجتمعات.
تحديات الحياة اليومية كاحتياجات أساسية لا غنى لأي إنسان عنها، أو احتياجات طارئة فرضها العصر وتحولت إلى احتياجات أساسية، خاصة في مرحلة الشباب التي تكثر فيها الطموحات، كالزواج، وامتلاك السيارة، والمنزل، والوظيفة التي تضمن له الاستقرار النفسي، والشعور بالأمن، ما يزيد من قرب الفرد من وطنه ومجتمعه ثقافة، وفكرا، ومعتقدا.

إنشرها