Author

نهاية النظرية .. الأزمات الاقتصادية وفشل علم الاقتصاد «5»

|
مستشار اقتصادي

في هذا الجزء الأخير من الكتاب يحاول الكاتب جمع المحصلة والخاتمة بعد أن قدم نقدا واضحا للطريقة الاقتصادية برمتها وحاول تقديم نموذج لتفهم الأزمات المالية خاصة من المنطلقات الأمريكية. يرتكز الكتاب على عدة نقاط جوهرية لعلي أوجزها في التالي:
- إن علم الاقتصاد ممثلا بالنظرية الكلاسيكية الجديدة تلقى لوما مستحقا في محدودية قدرته على تقديم تفسير وخريطة طريق للأزمات المالية المتعاقبة.
- في نهج مرافق للتطور الصناعي والعلمي في الغرب انتقل الاقتصاد تدريجيا إلى محاولة استخلاص مسلمات حول تصرف البشر وتحويلها إلى معادلات رياضية ما أبعده عن محاولة تفهم التصرفات البشرية من ناحية والأخذ في الحسبان بطبيعة الأنظمة المترابطة المعقدة التي أصبحت من علامات العصر. فنحن نعيش في عالم النظام المترابط المعقد.
- يصعب أن نكيف تصرفات الوحدات الاقتصادية من أفراد أو شركات مع منطق علم الرياضيات و لعل الأقرب ما قدم سورس من النظرية الانعكاسية التي تقوم على طبيعة البشر في الخطأ وعدم توافر المعلومات وتحليلها منطقيا وما يسميه التعامل للكسب على الرغم من نقص المعلومات وليس من خلال نماذج صالحة لكل زمان ومكان كما يمثلها النموذج الاقتصادي المبني على علم الرياضيات.لا يمكن إعادة التجربة لأن طبيعة البشر لا تتغير ولكن الظروف الموضوعية من حيث البيئة والديناميكية تحتم أن التجارب البشرية غير متماثلة ولذلك تعاد الأخطاء. يقول إن علم الاقتصاد يقوم على الاستنتاج بينما تصرفات البشر مبنية على الاستقراء.
- يحاول تقديم نموذج بديل ويصر على نقد مقبول لعلم الاقتصاد ولكن ما يقدمه لا يمثل بديلا بقدر ما هو محاوله لاستقراء تجارب الأزمات المالية التي تأتي كل مرة لأسباب مختلفة وبشكل مختلف.
- يقدم نموذجا ماليا مبنيا على ثلاثة تدفقات تمر من خلال ثلاث طبقات. الطبقة الأعلى الأصول، والوسطى المقرضون والوسطاء، والسفلى الرهونات. هناك تفاعل وترابط معقد بينهما يحكمه تسعير السيولة حيث يرى أن متابعة الوحدات المكونة أجدى من النماذج التي تطرح اقتصادا نظريا متماثلا نتيجة للحالة الاستنتاجية بعيدا عن الواقع.
- أخيرا يذكر أن علم الاقتصاد يشهد حالة تحولية مثل ما حدث في أواسط القرن الـ 19 ولكن الطرح الجديد لم يأت بنظرية اقتصادية شاملة.
من الواضح أن الكتاب واحد من عدة كتب ظهرت إثر الأزمة المالية العالمية تنتقد النظرية والممارسة الاقتصادية. كثير من النقد مبرر ولكن في ظل غياب البديل وصعوبة تأطير الاقتصاد نظرا لأنه ليس علما اجتماعيا بحتا وليس علما ماديا بحتا سيستمر الجدل النظري والعملي في المدى المنظور. يقول كوون منظر التاريخ العلمي إن التطور والبحث العلمي يعتبر "عاديا" حتى نصل إلى مرحلة يصعب تجاوزها بالبحث والتطوير العلمي العادي وبذلك يحتاج العالم إلى قفزة إلى مدار آخر. فلا يمكن تطوير الشمعة إلى أن تصبح لمبة، إذ استحقت المرحلة لمدار جديد ظهر البديل وهو يستمر في التطوير العلمي العادي لحين.
لم يستعرض الكتاب، على الرغم من العنوان، فشل علم الاقتصاد لعدة مسائل جدلية في الاقتصاد اليوم مثل قياس الإنتاجية وخاصة في اقتصاد أصبحت الخدمات فيه وسطا اقتصاديا متناميا، واقتصر أيضا على الحالة الأمريكية على الرغم من إفرازات الأزمة المالية العالمية، فدرجة العولمة أعلى من ناحية والمنافسة لمركزية أمريكا من ناحية أخرى، أو الجدل القائم حول مدى صلاحية قياس الدخل القومي للأداء الاقتصادي و مسائل أخرى متعددة. على الرغم من هذه النواقص إلا أنني وجدت الكتاب مفيدا وصريحا في طرحه خاصة في التركيز على طبيعة البشر وتصرف الوحدات الاقتصادية بعيدا عن الطريقة الاقتصادية المبنية على العقلانية وهو في هذه الناحية لا يبتعد كثيرا عما كتب عن الاقتصاد السلوكي. بالنسبة لحالنا. يذكرني الكتاب بمدى الحاجة إلى أن نتجاوز الحلول المعلبة من الخارج من خلال أكاديميين متوسطي الجدية أو استشاريين من التجار العابرين، وأن نمارس فكرا وعملا اقتصاديا عميقا وصريحا وأصيلا يوظف أفضل ما توصل إليه الباحثون ولكن بعين عملية على البوصلة والواقعية. لذلك أجد الكتاب جيدا من حيث الجدية في البحث عن بديل ولكن بحذر إذ يذكر في النهاية أنه لا يقدم نظرية جديدة وإنما محاولة لشرح بديل لتفهم الأزمات المالية.

إنشرها