Author

العلا .. متحف تراث الحضارات العربية القديمة

|

إذا كان الأمر الملكي الذي صدر بإنشاء هيئة ملكية لتطوير العلا قد أثلج صدور العلاويين، فإنه بلا شك أثلج صدور الشعب السعودي كله، وبالذات أمثالنا ممن يرون أن المملكة العربية السعودية هي مهد الحضارات العربية القديمة وتحتفظ في بطون أراضيها بكنوز من الآثار التي تركتها الحضارات العربية التي نشأت منذ آلاف السنين في مهاد ووهاد هذه الأراضي المباركة الخيرة.
ولقد أولت "رؤية السعودية 2030" موضوع السياحة والآثار اهتماما كبيرا واعتبرته من أهم الموارد البديلة الواعدة للدخل الوطني السعودي.
وتعتبر محافظة العلا من المناطق الثرية بآثار الحضارات العربية القديمة التي نشأت في العلا وما جاورها من القرى والهجر.
والجميل أن أولى المناطق التراثية في المملكة العربية السعودية التي اعترفت بها اليونسكو العالمية وضمتها إلى قائمة التراث العالمي هي مدائن صالح "الحجر"، ثم أعقبتها الدرعية، ثم جدة التاريخية.
إذن المملكة العربية السعودية لها وجود عريض في التراث العالمي، وهذا شيء نفتخر به ونعتز.
والواقع أن وصولنا ــ حتى الآن ــ إلى قائمة التراث العالمي في أربعة مواقع يضع على عاتق الحكومة ومنظمات المجتمع المدني مسؤولية الحفاظ على التراث الوطني بكل وسائل التقنية الحديثة، حتى يظل تراثنا الوطني محتفظا بشروط البقاء في قائمة التراث العالمي بصورة دائمة، وحتى يصبح التراث الوطني كما هو مقرر له في "رؤية السعودية 2030" موردا من أهم موارد الدولة.
ولقد أحسنت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز صنعا حينما أصدرت أخيرا أمرا ملكيا بتشكيل هيئة ملكية للمحافظة على تراث العلا واستثماره عالميا، وقبل ذلك أصدرت الحكومة نظاما جديدا لاستثمار مناطق الحضارات القديمة التي سادت ثم بادت، وأصبحت آثارها الغابرة من كنوز التراث العالمي الذي تجب المحافظة عليه وإعادة تقديمه إلى العالم بأسلوب حضاري عصري جميل.
وحتى لا نبعد كثيرا عن مشاركة أهلنا في العلا أفراحهم بإنشاء هيئة ملكية للحفاظ على التراث العالمي في العلا وضواحيها، فإننا نعود إلى العلا وإلى منطقة الحجر "مدائن صالح" ونلقي نظرة على كنوز التراث العالمي في منطقة كانت تعبر عن الحضارة الإنسانية السائدة في العالم في ذلك التاريخ السحيق.
إن العلا تقع بين جبلين كبيرين يطلان على واد خصب وتتوافر فيها المياه الجوفية على مسافات شاسعة لتجعل من هذه المنطقة منطقة زراعية تكسوها الخضرة ويجملها الجمال الطبيعي، ولذلك يطلق على العلا اسم مدينة الجبال وعاصمة الآثار، وبلغت شهرتها أعلى المستويات منذ أن نزل بها الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، وهو في طريقه إلى غزوة تبوك، وقام - صلى الله عليه وسلم - بتحديد مكان بالعظام لبناء مسجد سمي فيما بعد "مسجد العظام".
ومن السكان الذين سكنوا منطقة الحجر "مدائن صالح" قوم ثمود الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم بأنهم رفضوا دعوة نبي الله - صالح عليه السلام.
ويصف المؤرخ عبد الله فيلبي في كتابه القيم "مدائن صالح" المنطقة بأنها متحف مفتوح من الآثار الثمودية واللحيانية والنبطية، ولذلك ضمن آثار العلا يطل على الزائرين قصر القرن، وقصر البنت، وقصر العجوز، ومجلس السلطان "الديوانية"، أيضا في الحجر قلعة موسى بن نصير التي أنشأها القائد المسلم على جبل شاهق يقع في وسط مدينة العلا، وتبلغ مساحة المنطقة الأثرية في الحجر نحو 1339 كيلومترا مربعا.
إضافة إلى ذلك تحتضن العلا كثيرا من الأماكن الأثرية التي أفرزتها الحضارات العربية القديمة منها ما كان يعرف باسم محلب الناقة - ناقة نبي الله صالح-، وهو حوض حجري كبير.
إن منطقة شبه الجزيرة العربية منطقة شهدت عديدا من الحضارات، ولكن لم تكتشف آثارها بعد، وتحتاج إلى جهود وتخطيط للبحث والتنقيب والكشف، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المدافن في منطقة الحجر يربو على 131 مدفنا، وتقع جميعها في الفترة من العام الأول قبل الميلاد إلى عام 75 ميلادية.
ولكن قبل هذا التاريخ هناك كثير من الحضارات العربية القديمة التي ازدهرت في هذه المنطقة، وكتب عنها المؤرخون، ولكن آثارها ما زالت في باطن الأرض لم تكتشف، وتحتاج من حكومتنا الرشيدة الواعية إلى تكثيف البحث عنها من خلال مؤسسات عالمية متخصصة تصل ــ بإذن الله ــ إلى اكتشافات تضع الآثار في المملكة ضمن أضخم الآثار في العالم.
ومثل أي آثار حضارية قديمة، فقد تعرضت آثار الحجر لبعض القصص والشعوذات التي انحرفت بها عن تاريخها الصحيح، ولذلك أتمنى على الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن تعيد كتابة تاريخ المنطقة وتصحح كل ما علق بآثارها من شعوذات وسحريات باطلة.
وأحسب أن الاحتفاء بإنشاء هيئة ملكية لتطوير العلا يجب ألا يكون وقفا على أهلنا في العلا، بل يجب أن نشاركهم هذه الفرحة، لأن وصول آثار العلا إلى قائمة التراث العالمي مكسب كبير لكل إنسان في مملكة الخير والإنسانية.

إنشرها