FINANCIAL TIMES

هل الناخب الإفريقي أكثر تقبلا للديمقراطية من الحاكم؟

هل الناخب الإفريقي أكثر تقبلا للديمقراطية من الحاكم؟

إنها الساعة السابعة صباحا، وجين أتياتو البالغة من العمر 74 عاما تقف في وسط حقل موحل ترتدي قبعة أرجوانية، وما يبدو أنه أفضل زي لديها عند زيارة المعبد. ما هي المناسبة؟ إنها المرة السادسة التي تشارك فيها للتصويت في انتخابات رئاسية، منذ أن عادت كينيا لتصبح بلدا ديمقراطيا متعدد الأحزاب في العام 1992.
كلما سنحت لهم الفرصة للمشاركة، اتخذ الكينيون على وجه الخصوص، والأفارقة بشكل عام، موضوع الانتخابات بجدية تامة، فقصص الأشخاص الذين يقطعون أميالا مشيا على الأقدام من أجل الوصول إلى مراكز الاقتراع، أو يقفون في طوابير لساعات أصبحت قصصا مبتذلة، لا لشيء، إلا لأنها حقيقية.
في هذه الانتخابات، قرر الكينيون اختيار أحد اثنين من المرشحين للرئاسة من الذين سيطرت الأسر النخبة التي ينتمون إليها على الحقل السياسي ما بعد الاستقلال لمدة نصف قرن من الزمن – ومعنى ذلك أنه ليس ذلك بالخيار الحقيقي.
مع ذلك، يمكن للإقبال على التصويت أن يصل إلى نسبة 80 في المائة. ردا على سؤال فيما إذا كانوا ينوون المشاركة والتصويت، أورد الكينيون إجابات متباينة: "يجب علي التصويت. إن هذا واجب علي، وهو حق لي".
يمكن أن تكون الانتخابات الإفريقية مؤثرة بشكل عميق، إذ يتعامل الناس مع الديمقراطية بخشوع ووقار تلاشى منذ فترة طويلة في الغرب، لكن هنالك فجوة ما بين طموحات الناس وتطلعاتهم والأعذار الواهية لتحقيق الديمقراطية التي غالبا ما يتم تقديمها. ي
قال إن الناس يحصلون على الحكومة التي يستحقونها. في إفريقيا، لا شيء يمكن أن يكون أبعد من الحقيقة. والزعماء، الذين يعملون كذلك لمصلحتهم الشخصية، لا يستحقون بأي شكل من الأشكال الناخبين الذين صوتوا لهم.
في هذه الانتخابات بشكل خاص، والتي دخل فيها زعيم المعارضة الدائم رايلا أودينجا في تحد مع الرئيس أوهورو كينياتا، تصبح تكاليف الديمقراطية واضحة جدا.
بشكل عام، هنالك ثلاثة تكاليف:
التكلفة الأولى: هي فقط هذا التحدي. بالنسبة لبلد فقير، الانتخابات أمر مكلف. قد ينتهي الحال وقد بلغت التكلفة في كينيا ما نحو مليار دولار، ناهيك عن الشلل الاقتصادي الذي حصل في الفترة المؤدية إلى يوم الاقتراع.
أما التكلفة الثانية: هي الخسارة الفادحة في الثقة في الدولة. خلال الانتخابات، يغلب على أنصار المعارضة الاعتقاد - غالبا لسبب وجيه - أن أصحاب المناصب الحاليين يسيطرون على الآلة الديمقراطية.
ظهر أودينجا على التلفزيون خلال الساعات الأولى من صباح يوم الانتخابات ليدعي ذلك تماما، فقد ندد بالنتائج الأولية للانتخابات قائلا إنها "مزيفة" وغير شرعية، ومعاقله غارقة في الشائعات التي تفيد بوجود تلاعب في الانتخابات، وهي شائعات تعززت نتيجة جريمة القتل التي حصلت قبل أسبوع من يوم الاقتراع، راح ضحيتها مدير لجنة الانتخابات.
وهذا يقودنا إلى التكلفة الثالثة، التكلفة الأخطر: الدم. في العام 2007، اندلعت في كينيا من الناحية العملية حرب أهلية قتل فيها ما لا يقل عن 1200 شخص، وشرد فيها 600 ألف شخص.
تقود قصص العنف "القبلي" أحيانا إلى التوصل إلى النتيجة الكاذبة التي مفادها أن إفريقيا "ليست مستعدة" لتنعم بالديمقراطية. إليكم القليل من حالات سوء الفهم التي تحتاج إلى توضيح. ما يسمى القبائل في إفريقيا من الأفضل النظر إليها على أنها دول صغيرة ذات لغات مشتركة غير مفهومة فيما بينها مثل الاختلاف بين اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية.
حقيقة أن الناس يصوتون على أساس عرقي غالبا ما تكون أمرا منطقيا للغاية، تماما كما يصوت الناس في الغرب وفقا للطبقة أو المنطقة.
يعمل رجال السياسة في جميع أنحاء العالم على توجيه الأموال إلى دوائرهم الانتخابية. وإفريقيا ليست مختلفة عن ذلك. ولا حتى العنف الذي يصاحب الانتخابات مختلف عن ذلك، والذي يتم تفسيره على أنه دفق من الكراهية ما بين الأعراق.
في كينيا، كما هو الحال في أماكن أخرى، غالبا ما يتم تدبير عمليات سفك الدماء من قبل نخبة ساخرة.
يقول نيك تشيزمان، الخبير في الديمقراطية الإفريقية، إن العنف ينبع من مزيج من "القواعد الديمقراطية الهشة" و"المنافسة السياسية الشديدة".
في كثير من البلدان، بما في ذلك الدول التي تخضع لسيطرة كبيرة مثل زمبابوي، أحيانا تفوز المعارضة في الانتخابات بالفعل.
خسر زعيم حزب (زانو بي إف) روبرت موجابي في عام 2008 أمام زعيم حركة التغيير الديمقراطي مورجان تسفانجيراي، ما اضطره إلى تقاسم السلطة حتى يمكنه تأكيد حصول احتكار هش لها.
هنالك أسباب وجيهة تدعو للاعتقاد بأنه يمكن للديمقراطية النجاح في إفريقيا، فالبديل عموما أسوأ من ذلك بكثير. ما عليك سوى التفكير في موبوتو سيسي سيكو، الرئيس الأسبق لزائير، أو الإمبراطور بوكاسا، الذي نصب نفسه أمبراطورا لجمهورية إفريقيا الوسطى، لتقدر القوة التقييدية التي تفرضها صناديق الاقتراع.
ثم إن زعماء الدول الديمقراطية المتنازع عليها - حتى الدول المعيبة بشكل كبير - يستجيبون بالفعل للإرادة الشعبية. والتعليم الأساسي المجاني المتاح للجميع في معظم دول القارة ما هو إلا إحدى نتائج الضغط الانتخابي.
السبب الأكثر أهمية هو أن كل ذلك الوقوف في الطوابير والتصويت يفرض في بعض الأحيان حدوث تغيير حقيقي. في مثال حديث وغير متوقع، تم طرد يحيى جامه، الذي قال ذات مرة إنه سوف يحكم غامبيا لفترة تصل إلى مليار عام، من قبل الناخبين قبل أن يحقق هدفه بألف مليون عام (حكم في الواقع 23 عاما).
تخضع غانا لتغييرات عادية في القيادة، أحيانا ما تكون شائعة وبشكل كبير في جميع أنحاء غرب إفريقيا.
وقامت نيجيريا، الدولة العملاقة في القارة، بإحداث سابقة لها في النقل المدني للسلطة.
في جنوب إفريقيا، فإن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، الذي يبدو عليه أنه لا يقهر، يستسلم للضغط عند صناديق الاقتراع.
أربع من أكبر المدن في البلد، بما في ذلك جوهانسبيرج وبريتوريا، تدار من قبل المعارضة. ورغم أن جيكوب زوما يتمسك بشكل مخيف بالرئاسة، إلا أن حزب المؤتمر الوطني مدرك تماما لمشاعر الاشمئزاز لدى كثير من الناخبين.
في كوسومو، تنتظر آتياتو تنتظر بصبر من أجل التصويت.
في خمسة انتخابات سابقة خسر مرشحها. وهي ترجو أن يكون الأمر مختلفا هذه المرة، رغم أن النتائج الأولية تشير إلى المزيد من خيبة الأمل. وتقول إنه على الحالين: "فقط أدعو أن تظل كينيا تعيش في سلام. لأن لدينا كينيا اليوم وغدا وإلى الأبد." ربما لا يكون الزعماء الإفريقيون مستعدون للديمقراطية، لكن الشعوب الإفريقية مستعدة بالتأكيد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES