Author

مناضلو الـ «بريكست»

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"وزراء بارزون مقتنعون بالحاجة إلى إجراءات انتقالية لتقليل اضطرابات خروج بريطانيا" فيليب هاموند وزير المالية البريطاني في بريطانيا الحدث الذي لا ينتهي، يبقى دائما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما أنه الحدث الأكثر حضورا في كل وسائل الإعلام، سواء تلك التي تعنى بالشأن السياسي الاقتصادي العام، أو التي تتعاطى بالقضايا الاجتماعية الشعبية، فكل شيء بات مرتبطا بالانسحاب من الاتحاد، بما في ذلك مستقبل العلاقات بين مكونات المملكة المتحدة نفسها. وكلما انتهت جولة من مفاوضات الخروج بين لندن والمفوضية الأوروبية، ارتفعت حدة الخلافات الداخلية في بريطانيا، ليس بين أحزاب متعارضة، بل بين مسؤولين منتمين للحزب نفسه، إلى درجة أن اتهمت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بأنها لا تستطيع السيطرة على حكومتها، وأن عليها الرحيل في أول فرصة ممكنة. فالفوضى حيال أوروبا لا تأتي من الخارج، بل هي في عمق الداخل أيضا. في ظل هذه الأجواء، أصبحت الاتهامات المتبادلة أكثر عنفا من الناحية اللفظية. لم تعد اللغة السياسية البريطانية التقليدية الهادئة المعروفة حاضرة في بعض الساحات الجدلية. من بينها، على سبيل المثال، ما قاله زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي فينس كيبل عن أولئك المتحمسين لاستكمال عملية انسحاب بريطانيا "بريكست" وفق الخطة الزمنية الموضوعة لها. ماذا قال هذا السياسي المخضرم؟ "إن أولئك الذين يدعمون «بريكست» ليسوا إلا جهاديين"، وهذا تعبير عنيف في ظل المفهوم الإعلامي والسياسي البريطاني في كل الأحوال. الواضح أن كيبل كان يريد استخدام كلمة "إرهابيين" لكنه لا يستطيع ذلك لأسباب تتعلق بتهم كبيرة للغاية، لن يقوى السياسي البريطاني ولا غيره على الدفاع عنها. في الجانب الآخر من الضفة البريطانية، استخدم مؤيدو "بريكست" لغة ليست أقل عنفا من هذه. وبات واضحا أنه كلما انتهت جولة مفاوضات (حتى الآن لم تحقق هذه المفاوضات أي تقدم)، ارتفعت حدة التوتر في كل الأوساط السياسية البريطانية، والأمر بالطبع ليس كذلك على الجانب الأوروبي. الأوروبيون حسموا أمرهم، بل وضعوا استراتيجية لخروج بريطانيا، قد تدفع لندن للخروج من دون اتفاق (كما هددت تيريزا ماي) وبالتالي اندلاع حرب تجارية ونفسية بين الطرفين. وكانت رئيسة الوراء قد أعلنت سابقا "أن الخروج بلا اتفاق، أفضل من الخروج باتفاق سيئ". ولكن لا تتحدث عن فواتير الخروج بلا اتفاق على بريطانيا في الدرجة الأولى. والحق أن ماي لا تمتلك رؤية عملية للخروج حتى الآن، يضاف إلى ذلك الخلافات – الفضيحة بين وزرائها حول كيفية الانسحاب، والعلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي. وهذه النقطة الأخيرة، دفعت وزراء في الحكومة للطلب علنا بإقالة وزير المالية القوي فيليب هاموند، لا لشيء، إلا لأنه يدعم فكرة بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي لمدة عامين بعد انتهاء مفاوضات الخروج، من أجل ضمان فترة انتقالية أقل اضطرابا بالنسبة للبريطانيين قبل الأوروبيين. وكدفاع غير مباشر من زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي على هاموند المحافظ، أطلق وصفه القوي على "البريكستيين" –إن جاز التعبير- بأنهم جهاديون. فهؤلاء يهددون أي سياسي بالإقالة أو إجباره على الاستقالة لمجرد أنه طرح رأيا أقل حدة حيال الانسحاب، أو عرض رؤية تضمن انسحابا سلسا من منطقة تشكل الأهمية الأكبر بالنسبة للمملكة المتحدة على صعيد الشراكة. بالطبع ليس سهلا أن يستقيل هاموند أو يُقال، فهو الأقوى عمليا داخل الحزب والحكومة، حتى أنه أقوى من رئيسة الوزراء نفسها. "الحرب" في الساحة المحلية البريطانية تتخذ طابعا عنيفا يوما بعد يوم، وهي بالفعل تمزق الشكل العام المعروف للسياسة البريطانية الهادئة. كل الأطراف تدعي أنها تحارب من أجل مصلحة بريطانيا، وكلها تعلن أنها على حق. وكل ذلك يتم في غياب جسم سياسي قوي يمكنه بالفعل أن يقوم بدور مضمون لمصلحة المملكة المتحدة. الحكومة مهزوزة وتحكم عبر ائتلاف هش مع حزب إيرلندي محافظ إلى أبعد الحدود. الحكومة نفسها منقسمة بين أعضاء الحزب الواحد. أحزاب المعارضة الأخرى، مهما حققت من قوة في الانتخابات العامة الأخيرة، لا تزال دون مستوى أن تحكم البلاد. أما على الجانب الأوروبي، فالمفوضية في بروكسل ليست مستعجلة كثيرا على استكمال المفاوضات، لأن بقاء المفاوضات تدور يكلف بريطانيا أكثر مما يكلف الاتحاد. فلندن، مثلا، لا تستطيع عقد أي اتفاق تجاري مع أي جهة في العام قبل نهاية المفاوضات، بل إن الاتفاقات الأخرى ممنوعة عنها قبل ذلك. ستظهر ألفاظ أقوى شيئا فشيئا. فعندما تقترب ساعة الحقيقة، تنتهي في الواقع معايير المنطق. هناك حرب أهلية في الحكومة، ومثلها على مستوى الوطن، وحرب مشابهة من جهة الأقاليم نفسها. والأوروبيون ينظرون إلى هذه الفوضى الخطيرة بالفعل على تركيبة المملكة المتحدة نفسها. ينظرون إليها عبر مياه "القنال"، ليسوا متعجلين لشيء، وليسوا خائفين من شيء. بل لم يكونوا متضامين في السابق كما هم الآن حول الموضوع البريطاني.
إنشرها