ثقافة وفنون

«دونكيرك» .. ضخامة الإنتاج تطغى على هنّات الإخراج

«دونكيرك» .. ضخامة الإنتاج تطغى على هنّات الإخراج

«دونكيرك» .. ضخامة الإنتاج تطغى على هنّات الإخراج

تعد الحروب العالمية مادة دسمة لعديد من المخرجين والمؤلفين، نظرا للإبداع الإخراجي والتصويري الذي يستطيع أي مخرج أن يجسده في مشاهد قتالية ترفع الأدرينالين عند المشاهد وتأسره للنهاية، وتتشابه تلك الأفلام بمشاهد المعارك والقتل والدم، إلى أن أصبحت إلى حد ما نسخة من بعضها البعض، ما دفع الكاتب والمخرج كريستوفر نولان إلى الإبداع بتقديم فيلم مغاير شد انتباه المشاهد بأسلوب مختلف وطريقة تصوير فريدة، لم تنحصر في الحرب نفسها بل أرادها درامية، عبر تجسيده فكرة البقاء والتمسك بالحياة، ولطالما عهد المخرجون في السابق إلى إدخال العنصر الدرامي لكن بطريقة مختلفة أبرزها أن البطل يحاول الفوز والعودة إلى حبيبته، إلا أن قضية نولان كانت مختلفة.

بداية "الحرب"

تدور قصة فيلم دونكيرك حول الحرب العالمية الثانية والمعركة التي حصلت في مدينة دونكيرك الفرنسية، حيث حوصر جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية من الجيش الألماني حصاراً قاسياً لا مفر منه، وقتل كثيرون ليخوض الباقون تحديا صعبا ألا وهو الخروج أحياء من هذا الحصار المحكم.
وكانت المهمة الأصعب هي إجلاء الباقين في ظل الحصار وقطع كل السبل والإمدادات على جنود جيش الحلفاء "بلجيكا وبريطانيا وفرنسا"، ولقد كان سقف طموح عملية الانسحاب هو إجلاء 45 ألف رجل، لكنها انتهت بمعجزة إنقاذ 330 ألفا، بعد اشتراك السفن التجارية وزوارق الصيد التي يقودها المدنيون في إنقاذ جنودهم.

بر وبحر وجو

لقد حصر المخرج القصة في ثلاثة عناوين بارزة، واحد منها أسبوع كامل جرى على الأرض، حيث علق عديد من الجنود عند الشاطئ، والثاني زمنه يوم واحد حصل في البحر، حيث كانوا يحاولون إنقاذ الجنود بواسطة القوارب، والثالث لا يتجاوز الساعة وكان جوا، حيث تجري المعارك بين طائرات "السوبرمارين سبتفاير" البريطانية والطائرات الألمانية، وتتقاطع المسارات الثلاثة صانعة خليطا من المشاهد غير المرتبة، قد تحير المشاهد، فيمكنك أن ترى نفس الحدث مرة من البر، ثم مرة من الجو ومرة من البحر، مع إضافة كثير من العنصر الدرامي التشويقي، رغم الافتقار إلى الحوار، إلا أنها جاءت مبهرة بتقنياتها وسياقها التصويري الضخم الذي جعل المشاهد يندمج في الفيلم غير متيقظ للحوار المقتضب.

لا "أبطال"

لا شك أن هذا الأسلوب هو الذي يميز أعمال نولان، فيطمس ركاكة الحوار بضخامة الإخراج، لذك لم يهتم ببناء شخصيات طوال الفيلم بل عمد إلى تصويرهم كأشخاص مجهولين يتفاعلون مع الرعب المحيط، ويأسرون عقل المشاهد لينصهر في قلب الأحداث فيشعر أنه داخل المعارك يتفاعل معها بقوة، خاصة في بعض المشاهد الدرامية مثل مشهد الجندي تومي، يلعب دوره الممثل فيون وايتهيد، الذي يصارع على شواطئ دونكيرك من أجل البقاء والعودة إلى بلاده مرة أخرى، ومشاهد أخرى ظهر فيها الطيار فيريور، يلعب دوره الممثل توم هاردي، الذي يحاول الاشتباك في كل فرصه تتاح له مع طائرات الجيش الألماني، وهناك شخصية رئيسية أخرى هي السيد داوسون، يلعب دوره الممثل مارك ريلانس، الذي يملك يختا تتم الاستعانة به من أجل إجلاء الجنود المحاصرين في شواطئ دونكيرك.

واقعية الإخراج

لم يكتف المخرج بواقعية القصة بل تعداها إلى واقعية الإخراج، فاعتمد على طائرات وبارجات حقيقية وصل عددها إلى 50 يختا وبارجة، بعضها كان موجودا في العملية الأصلية منذ 70 عاما، وإضافة إلى الاعتماد على مجاميع حقيقية بأعداد مهولة أصر نولان على تصوير الفيلم في المكان الأصلي للمعارك على شاطئ دونكيرك.
لم يستخدم نولان تقنية "سي جي آي CGI" التي تُستخدم لتصوير المشاهد الحربية داخل الاستوديو بمساعدة برامج الكمبيوتر، بل فضل استخدام الطرازات القديمة من التصوير بتثبيت كاميراته على أجنحة الطائرات للتصوير الجوّي. فالخطر قد يأتي فجأة من السماء ولن نرى الطائرات، أو من الماء من دون أن نرى الغواصة، ومن الممكن أيضا أن نشاهد المعارك على الأرض من دون أن نرى مصدر الرصاص.

حادث عرضي

استعان نولان في أحد المشاهد بطائرة مماثلة لطائرة "سبيتفاير" البريطانية الشهيرة، لأداء مشهد الهبوط في القنال الإنجليزي، وكانت كاميرا Imax عالقة في قمرة القيادة، تُصور كولينز، يلعب دوره الممثل جاك لودين، وهو يكافح للخروج، ويستمتع المشاهدون برؤية المياه وهي تملأ قمرة القيادة، في أحد أكثر مشاهد الفيلم درامية.
وفجأة بدأت الطائرة والكاميرا خلال التصوير في الغرق أسرع مما توقع أي من أفراد الطاقم، فخاف نولان وتوقع أن اللقطات قد فقدت، فاتصل بالمختبر، وأخبروه بأسلوب قديم الطراز كانوا قد اعتادوا أن يستخدموه في تصوير الأفلام، وهو أن يبقى الفيلم رطبا، وتفرغ الكاميرا وتبقيها رطبة أيضا طوال الوقت. ثم قاموا بشحنها من فرنسا إلى لوس أنجلوس، ومعالجة الأفلام قبل أن تجف، حيث خرجت اللقطات بصورة رائعة وهي موجودة في الفيلم.

دونكيرك وبريكست

أتي الفيلم الذي حصد 131 مليون دولار فى شباك التذاكر العالمي، بعد أشهر قليلة من تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، مع وضع اقتصادي وداخلي مضطرب وقلق عام من المستقبل، ليذكر الإنجليز بقصص صمودهم والتضحيات السابقة. نولان - إنجليزي المنشأ - يبعث برسالة في نهاية الفيلم على لسان وينستون تشيرشل رئيس الوزراء آنذاك بعد اكتمال الانسحاب قائلا "يجب أن نستمر للنهاية… يجب أن نقاتل على السواحل… بجب أن نقاتل على الأرض… يجب أن نقاتل في الساحات والشوارع… يجب أن نقاتل في السهول… يجب ألا نستسلم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون