Author

اقتصاد الأسواق والمهرجانات

|
في فجر تاريخ السعودية كانت أجواء الاستقرار التي هيأ لها المؤسس الملك عبدالعزيز، أسباب استتبابها ورسوخها، مكنت التقاليد والأعراف التجارية في مختلف مدن وقرى مناطق المملكة من أن تعكس حراكها في أسواق تخصص لها أيام بعينها هنا وهناك، تتيح للبائعين أن يعرضوا ما لديهم من صناعات شعبية أو محاصيل زراعية يجد فيها الجمهور متعة التبضع ومتعة التواصل مع وجدانهم الشعبي. كانت تلك الفعاليات تحقق اقتصادا ريفيا يدر مداخيل على أصحابها وتدخل قوتها الشرائية ــ على تواضعها آنذاك ــ مكونا في الدخل الوطني المحلي غير النفطي. ومع انتشار ثمار التنمية وارتفاع مستوى الوعي بفعل سيادة الخدمات التعليمية بشكل شامل، أخذت تلك الأسواق الشعبية تكتسب إلى جانب موروثها مظاهر لفعاليات جديدة، مستثمرة مخرجات أنشطة اقتصادية تنامت في تنوعها مع تطور أنشطة التنمية وبروز قطاعات حديثة، تميزت مخرجاتها بالحجم الكبير وبالجودة في نوعيتها وأدى هذا التطور إلى وجود مناخ تنافسي يوفر للاستثمار في تلك القطاعات أسباب استدامتها في الإنتاج وفي آليات التسويق. كان من أبرز التحولات في الأنشطة الاستثمارية نشوء شركات ومؤسسات كبيرة في صناعة الغذاء، سواء في قطاع الدواجن واللحوم والأسماك أو في الألبان ومشتقاتها، وفي المحاصيل الزراعية من خضار وحبوب وفواكه.. وكان للتمور حضورها المميز لارتباطها التاريخي كغذاء أساس لأبناء السعودية منذ القدم، وظل هذا الارتباط يتعزز عناية بزراعة النخل بجميع أنواعه والحفاوة بإنتاجه حتى أصبحت السعودية من أكبر بلدان العالم إنتاجا له، وأسفر هذا الحجم من الاستثمار إلى أن أخذت مدن مناطق المملكة تشهد مهرجانات للتمور تعرض في ساحتها الأطنان من مختلف أجود أنواع التمور يقتني منها المواطنون ما يحتاجون إليه مؤونة للعام كله، كما تنتهز فرص عقد هذه المهرجانات دول الجوار العربية، فضلا عن أن مصانع التمور الوطنية تجد فيها ما يوفر لها احتياجاتها كي تتم تعبئتها وتصنيعها بحسب ذائقة المستهلك في الداخل، ولتصدر الجزء الأكبر منها للخارج بكل ما يعنيه ذلك من إقبال عليها وتسجيل امتياز لها. الأسواق الشعبية بأيامها المحددة أضافت إليها في المدن والقرى ظاهرة المهرجانات الخاصة بالتمور، وربما تحرص مدينة على التميز بنوع معين منه تشتهر به، مثل "الخلاص" أو "السكري" أو "البرحي"، كما أضافت مهرجانات أخرى خاصة بالزهور أو الطيور وغير ذلك من نشاطات، مكرسة لها ما تمثله لها من إنتاج، فصارت مواقيت ونوعيات وأماكن هذه المهرجانات معلومة ليس لمواطني السعودية وإنما للجوار الخليجي وربما أبعد. أيام الأسواق الشعبية وأيام مهرجانات التمور وغيرها.. لا تشكل ظاهرة اجتماعية عادية وإنما أصبحت تمثل بعدا اقتصاديا له قوته الشرائية وعوائده، وهو بعد له دوره في تعميق وتوسيع الحراك الاستثماري، وبالتالي قيمته مضافة للاقتصاد الوطني يدخل في زيادة نسبة إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي.. وهذه القيمة المضافة علاوة على تعزيزها مصادر التموين الذاتي، تتيح فرصا وظيفية للقوى العاملة الوطنية كما، تحفز عقول الأجيال الشابة على إضافة إبداعاتهم الجديدة في مجالات استثمارية أخرى تأخذ مسيرة الاستثمار في بلادنا إلى مدارات تواكب الجدارات الاستثمارية في العالم.. وتضمن لاقتصادنا الوطني ما يعزز قوته ومتانته.
إنشرها