Author

كان مُرًّا ومر

|
كبر طارق وكبر معه حلمه في أن يصبح ضابطا. لا يسأله أحد السؤال التقليدي الذي يرافقنا طوال طفولتنا: ماذا تود أن تصبح عندما تكبر؟ فنفرك رؤوسنا ونكاد نثقبها بأصابعنا التي تتحول إلى مسامير بحثا عن الإجابة المخبوءة. فسلوك طارق وحديثه وملابسه تعكس أن ارتداءه بذة الضابط مسألة وقت لا أكثر. ظل طارق يستعد لارتداء حلمه بكل ما أوتي من حب. يحافظ على لياقته وصحته وتفوقه الدراسي. استعد جيدا للقاء الكبير الذي سيجمعه بحلمه وهو التقديم على الكلية العسكرية. وحينما لاح الموعد كان أول المتقدمين. فقد انطبقت عليه كل الشروط المطلوبة. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان. لم يجتز الاختبار الطبي. فقد ظهر أن لديه مشكلة في النظر. يعيش طارق اليوم أوقاتا عصيبة وهو يرى حلمه يتهاوى ويتهشم، وطبيعي جدا أن يتضايق طارق ويمر بمراحل الحزن الخمس وهي على التوالي: الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، القبول. لكن كلي ثقة أنه سيشفى من حزنه وسيحقق نجاحا مدويا في مجال آخر. فالله يخبئ له ما هو أجمل وأكثر دهشة بإذن الله. لو كان الموضوع بيده لقلت يا طارق، لا تتخل عن حلمك، لكن الأمر ليس بيده. عدم تجاوزه الاختبار الطبي رسالة أن هناك خيارا أفضل عليه أن يفتش عنه حتى يصل إليه. وسيقول يوما ما عن هذه اللحظة الصعبة التي يتجرعها: "كان مُرًّا ومر". وصلتني تجربة واقعية جميلة من سيدة فاضلة بعد أن رويت معاناة طارق في "سناب تشات". استرجعت حلم ابنها في أن يصبح طيارا لكنه اكتشف قبل تسجيله في الكلية العسكرية إصابته بعمى الألوان فغير تخصصه تماما. درس الهندسة الميكانيكية ومن ثم رشح للإعادة فتابع دراسة الماجستير والدكتوراه واليوم هو أستاذ جامعي مميز ويعمل مستشارا لعديد من الشركات الكبرى. لم يحلق ابنها محمد في الفضاء كما تمنى لكنه حلق في سماء النجاح. المهم ألا نفقد حسن ظننا بالله وأن نواصل البحث عن الطريق الجديد الذي سيقودنا إلى حلم يليق بنا وبمواهبنا. وحتما سنصل إليه. قال الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم". يا صديقي طارق أنت أمام لحظة تاريخية. هذه اللحظة هي الفارقة التي ستجعلك في مصاف المؤثرين والمتميزين أم الخائبين واليائسين. كثير تقتلهم هذه اللحظة وقليل فقط تبرزهم وترفعهم. كن من القليل. احزن قليلا لكن لا تدع الحزن يصرفك عن الفوز الذي ينتظرك. ترهقنا أحلامنا حتى نعرف ثمنها فنمنحها ما تستحق من عناق وحفاوة. لا هناء بلا شقاء.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها