FINANCIAL TIMES

بريطانيا بعد «الخروج» .. صدى «القارة أصبحت معزولة» يخيم على الأجواء

بريطانيا بعد «الخروج» ..
صدى «القارة أصبحت معزولة» يخيم على الأجواء

هناك نكتة قديمة عن الانعزالية البريطانية وشعور الاستحقاق المتأصل تجاه البلدان الأوروبية المجاورة لبريطانيا. "ضباب في القناة" أي بحر المانش، كما يقرأ نص تقرير الطقس الأسطوري: "القارة أصبحت معزولة".
يبدو أن بعض الضباب قد هبط على القناة الفاصلة بين القارة والجزيرة، بعد خروج بريطانيا. في الوقت الذي ستغادر فيه المملكة المتحدة أخيراً الاتحاد الأوروبي - حدث من المُقرر أن يحدث في أوائل عام 2019 - ستكون بحاجة إلى إقامة علاقة تجارية جديدة مع الاتحاد.
ما سيذهب هو جوانب اليقين القانوني للوضع الممنوح ضمن شبكة القواعد والقوانين التي هي السوق الموحدة.
بالطبع ستبقى بريطانيا شريكا مهما للاتحاد الأوروبي - ليس فقط في تجارتها، لكن أيضا سياسيا واستراتيجيا. من الناحية القانونية، ستحصل على مكانة كندا أو المكسيك أو الهند نفسها. على الرغم من كل تقاربها الجغرافي، إلا أنها ستكون "بلدا ثالثا" مثل أي بلد آخر، بالقدر نفسه.
ليس من الواضح ما إذا كان هذا الواقع قد استقر تماما في أذهان الذين يتفاوضون على موقف الحي المالي في لندن بعد المغادرة.
بعثة بقيادة مارك هوبان، المسؤول السابق عن الحي المالي في لندن الذي يُدير جهازا تابعا لمجموعة الضغط الأكثر تأثيرا في سكوير مايل، TheCityUK، كانت تضغط من أجل فكرة تنطوي على "الاعتراف المتبادل" من قِبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بالقوانين التنظيمية في كل منها.
هذا المبدأ سيكون في صميم فصل الخدمات المالية المفترض الذي يُعتبر جزءا لا يتجزأ من الاتفاق التجاري الشامل بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
هناك أمور كثيرة تجعلنا نُعجب بهذه الفكرة، التي توفّر للمصارف كثيرا من فوائد "جواز السفر" الحالي للخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي في بيع المنتجات عبر الحدود إلى الزبائن الأوروبيين.
القلق بشأن إمكانية الوصول بعد خروج بريطانيا أدى إلى قيام عدد من المصارف الكبيرة - بما في ذلك إتش إس بي سي وجيه في مورجان - اقتراح نقل بعض الأنشطة خارج لندن.
اقتراح هوبان أيضا يتجاوز الخوف المتمثل في أن بريطانيا قد تنتهي بكونها "منفذ قواعد" سلبيا لقوانين الاتحاد الأوروبي من خلال التأكيد أنه في حين أن تنظيمات كل طرف ينبغي أن تشترك في الأهداف الأساسية نفسها (مثل المتانة الحصيفة وحماية المستهلكين)، إلا أنه يجب ألا تكون متطابقة.
آلية قوية وعادلة لحل النزاعات يُمكن أن تمنع أحد الأطراف من إنكار الاعتراف بالطرف الآخر عل حسب المزاج. في أقصى الأحوال، يُمكن أن تفرض عقوبات في حال خالف أي طرف الاتفاق.
السؤال هو ما إذا كان الضباب المرتبط بالقناة قد حجب في هذه الحالة الصعوبة السياسية التي تنطوي على تأمين مثل هذا الترتيب المرغوب.
هناك مشكلة واحدة، وذلك وفقاً لنيكولاس فيرون من معهد بروجل، هي أنه يبدو إلى حد كبير وكأن بريطانيا تتخذ ما تعتبره فُتات رائعة من السوق الموحدة، وفي الوقت نفسه تجاهُل تلك المملة، مثل حرية الحركة.
من الناحية العملية هذا سيخلق مكانة "اتحاد أوروبي خفيف" خاصة بالنسبة للمملكة المتحدة، شيء تعهد الاتحاد الأوروبي تجنّبه خوفا من أن مثل هذه النتيجة قد تؤدي إلى إضعاف العلاقات بين البلدان الأعضاء.
ليست هناك سابقة في صفقات التجارة الحرة لبنود تمنح أساسا مصارف كل طرف الحق بالتجارة في أراضي الطرف الآخر دون ترخيص محلي. لنأخذ صفقة الاتحاد الأوروبي المقترحة مع كندا (سيتا).
في حين أنها تُحرر تداول الخدمات المالية في بعض الظروف المحددة، إلا أنها لا تحتوي على أي بنود ذات معنى تؤدي إلى الاعتراف المتبادل من كل طرف بأنظمة الطرف الآخر.
بدلا من الضغط من أجل مكانة خاصة لا يُمكن الحصول عليها، ينبغي على بريطانيا أن تكون واثقة من قوة علاقاتها الاقتصادية مع أوروبا وتتماشى مع تشريع الاتحاد الأوروبي القائم.
صحيح أن هذا يعني العمل مع مفهوم "التكافؤ" القانوني غير المثالي باعتراف الجميع، الذي يمنح إمكانية الوصول إلى الشركات المالية في البلدان الثالثة التي تُعتبر قواعدها مماثلة بما فيه الكفاية.
يتمثل التحدي في سد الثغرات الموجودة حاليا في النظام المجزأ حتى تُغطي معظم القطاعات المالية المهمة - بما في ذلك الإقراض والتأمين. ليس هناك مهرب أن الاتحاد الأوروبي سيُسيطر دائما على المفاتيح عندما يتعلق الأمر بمنح، أو سحب، التكافؤ للبلدان الثالثة.
بالتالي أفضل نهج هو جعل أي آلية شفافة وقابلة للتنبؤ، بينما جعلها تعتمد على النتائج القانونية وليس العمليات، بحيث لن يضطر أي طرف لمطابقة قوانين الطرف الآخر.
هناك اقتراح بديل نشره للتو بارني رينولدز من شركة شيرمان آند ستيرلينج يقترح طريقة واحدة يُمكن أن يتم فيها هذا الأمر.
بريطانيا بحاجة إلى أن تكون واقعية، فهي لا تستطيع مغادرة الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه تحتفظ باليقين القانوني للوصول إلى السوق، وهو أمر كانت تحصل عليه أثناء عضويتها في الاتحاد.
أفضل الضمانات بالنسبة للحي المالي في لندن توجد ليس في صفقات تجارية معقدة، وإنما في الحضور الدائم في لندن للأسواق العالمية، التي يرغب في الوصول إليها زبائن الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، مثلما يرغب فيها الزبائن الأمريكيون أو الآسيويون. السياسات التي تستطيع تحقيق هذا الأمر ينبغي أن تكون هي الشاغل الأول للوزراء البريطانيين، بدلا من السعي وراء امتيازات خاصة من الخارج.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES