أخبار اقتصادية- خليجية

استثمارات قطر المشبوهة بحاجة إلى تدقيق من هيئة دولية مستقلة

استثمارات قطر المشبوهة بحاجة إلى تدقيق من هيئة دولية مستقلة

لطالما تغنت المؤسسات الاستثمارية في الدوحة - وتحديدا جهاز قطر للاستثمار - بقيمة استثمارات قطر الخارجية، واعتبر المسؤولون في قطر تلك الاستثمارات أحد مؤشرات نجاح سياستهم الاقتصادية، خاصة في شقها الخارجي.
ولسنوات طويلة استغلت الدوحة الفائض المتاح لها من صادرات الغاز في بناء إمبراطورية استثمارية في عدد كبير من بلدان العالم، ولسنوات طوال أيضا التزم العالم الصمت تجاه تلك الاستثمارات، خاصة مع اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2008، حيث بات من الواضح أن البلدان المتقدمة في أمس الحاجة إلى الاستثمارات الخارجية بشدة، وهو ما وجدت فيه قطر فرصة لشراء عديد من الحصص في مؤسسات اقتصادية وتجارية دولية، بأسعار أقل من الأسعار التي كانت ستدفعها لشراء ذات الأصول، إذا ما كان الوضع الاقتصادي في البلدان المتقدمة مزدهرا.
لكن ما اعتبرته الدوحة لسنوات نعمة استثمارية، بات يتحول الآن وتدريجيا إلى نقمة قد تصيب قطر بخسائر مالية ضخمة، يقدرها بعض المختصين بعشرات المليارات.
فالشكوك التي كانت تنتاب عديدا من المختصين بشأن الداوعي الحقيقية للاستثمارات القطرية، وما يمكن أن تمثله من خطر ملموس على اقتصادات الدول المستثمر فيها، في ضوء قناعة الكثير من المختصين بوجود علاقات مشبوهة وغامضة بين الدوحة وبعض كبار المنظمات الإرهابية في العالم كتنظيم القاعدة، أو حزب الله اللبناني، بل والراعي الأكبر للإرهاب في العالم إيران، وحتى أنقرة التي أغمضت أعينها عن عبور عشرات الآلاف من الإرهابيين من كل أنحاء المعمورة لأراضيها للانضمام لتنظيم داعش في كل من العراق وسورية.
وتلك الشكوك رُفع عنها الغطاء بفضل ما وصفه المختص الاستثماري جراي ريدنجتون، "الموقف الأخلاقي للرياض"، ونجاحها في تشكيل حلف عربي يأخذ على عاتقه محاربة الإرهاب بشكل جدي وفعال.
ورفعت المقاطعة من الدول الداعية لمكافحة الإرهاب الغمامة من على أعين الكثيرين من دوائر صنع القرار في العالم لمخاطر استخدام قطر لاستثماراتها الخارجية وسيلة لتمويل الإرهاب وإضعاف الجبهة العالمية للحرب العربية والدولية الدائرة ضده.
وخلال الأيام الماضية بدأ ما يمكن وصفه بملامح أولية لتبلور اتجاه عالمي لفحص استثمارات قطر الخارجية، للتعرف على عمق العلاقة الراهنة بين الدوحة وعمليات تمويل الإرهاب على المستوى العالمي، فالبنك المركزي الأوروبي قرر إجراء مراجعة خاصة لملكية اثنين من كبار المساهمين في دويتشه بنك الألماني وهما الأسرة الحاكمة في قطر ومجموعة HNA الصينية القابضة.
وهنا قال لـ"الاقتصادية" تارنر فليدمان؛ المختص المصرفي والاستشاري السابق لعدد من المصارف الدولية، إنه "غالبا ما يكون الهدف من مثل تلك التحقيقات مراجعة مصادر الأموال المستثمرة، لمعرفة ما إذا كان المستثمرون متورطين في أعمال غير شرعية سواء غسيل أموال أو تمويل الإرهاب، وهذا النوع من التحقيقات يتم مع المساهمين الذين تزيد ملكيتهم عن 10 في المائة، إلا أن ملكية قطر أقل من ذلك".
ورصد فليدمان عددا من النقاط في هذا الشأن، أولها أن البنك المركزي الأوروبي على الرغم من أن ملكية قطر أقل من 10 في المائة لديه مخاوف حقيقية من أن تستخدم تلك الحصة لتمويل الإرهاب، وهذا يكشف أن المقاطعة الخليجية - المصرية، قد أثارت ردود فعل دولية بخطورة الدور القطري.
أما ثاني هذه النقاط، أن البنك المركزي الأوروبي لم يكن من الممكن أن يتحرك في هذا الاتجاه، إلا بعد حصوله على ضوء أخضر من كبار المسؤولين في بلدان منطقة اليورو، بسرعة التحرك لمعرفة تفاصيل تمويل الدوحة للإرهاب.
وذلك علاوة على أن بدء استهداف الاستثمارات القطرية في الخارج بالبحث في حصص قطر في البنوك الدولية، يكشف أن هناك رغبة عالمية ملحة لوضع حد سريع لنشاط الدوحة في تمويل الإرهاب، وإضفاء الشرعية عليه من خلال البحث في جوهر مصادر التمويل وهي النظام المصرفي.
وأضاف، أنه في حال اكتشف تورط الدوحة، فإن ذلك سيتبعه تلقائيا إمكانية تجميد أرصدتها الخارجية أو أصولها المالية والاستثمارية الأخرى.
ووافق المختص الاستثماري جراي ريدنجتون على ذلك، بالقول: "هناك حالة من القلق العام والمكبوت في عديد من العواصم الأوروبية الكبرى من الغموض وعدم الشفافية والفساد الذي يسود السلوك الاستثماري القطري العام.
وأضاف، أن فضيحة بنك باركليز وإعلان القضاء البريطاني أن أربعة من كبار المسؤولين السابقين في البنك، سيقدمون للمحاكمة بتهمة جمع أموال طائلة من قطر خلال الأزمة العالمية، ما سمح لها بامتلاك نحو 6 في المائة من أسهم البنك، تكشف بوضوح عن لجوء الدوحة إلى أساليب ملتوية وغير قانونية لتعزيز هيمنتها على مصارف بريطانية، وهو ما يرسخ شكوك البعض بأن الأمر لا يتعلق بالاستثمار بقدر تعلقه بأهداف أخرى قد يكون من ضمنها تمويل الإرهاب.
إلا أن الباحثة الاقتصادية إيما لي، تنظر للأمر من منظور مختلف، إذ قالت لـ"الاقتصادية" إن "أكثر ما يقلق دوائر الرقابة المصرفية على المستوى الدولي أن قطر لا توجد فيها عمليا خطوط فاصلة بين الملكية العامة للدولة والملكية الخاصة لأسرة آل ثاني التي تحكم الإمارة، ولا يعرف بشكل قاطع ومحدد ما إذا كانت حصة قطر في دويتشه بنك الألماني ملكية خاصة لأفراد في الأسرة الحاكمة، أم أنهم غطاء لاستثمار أموال إمارة قطر واستخدام العوائد في تمويل الإرهاب.
وأضافت، أن غياب الشفافية سواء في الداخل القطري، أو أمام الرأي العام الدولي يربك المشهد، ويوجد حالة التباس كبيرة، حول أين يقف دور الدولة القطرية في تمويل الإرهاب، وأين يبدأ دور العناصر القيادية في الدولة في القيام بتمويل الإرهاب وفقا لمبادرات فردية من قبلهم، وتحديدا هو ما يقلق البنك المركزي الأوروبي بأن تكون الاستثمارات القطرية في البنك الألماني استثمارات رسمية للإمارة بغطاء شخصي".
بدوره، أبدى الدكتور غوردن جلير؛ أستاذ في الشؤون الاستراتيجية الدولية، تخوفه من أن تمثل الاستثمارات القطرية عبئا على الحرب العالمية على الإرهاب.
وقال لـ"الاقتصادية"، إن الدوحة نجحت خلال السنوات العشر الماضية في بناء لوبي من السياسيين والإعلاميين المؤيدين والداعمين لها في عديد من دول العالم، خاصة في مراكز صنع القرار الدولي، فالعطايا القطرية كانت من السخاء، بحيث إن استثماراتها بدت في كثير من الأحيان أداة للابتزاز السياسي، أكثر منها أداة استثمارية ترمي إلى استفادة الدوحة والدولة المستثمر فيها في آن".
وأضاف، "لهذا يجب تشكيل هيئة دولية مستقلة تضم عددا من المختصين في المجال الاقتصادي والأمني تقوم بفحص تفاصيل الاستثمارات القطرية على المستوى العالمي، بحيث يمكنها تكوين خريطة تفصيلية عن تلك الاستثمارات والدور الذي تقوم به في دعم الإرهاب سواء عن طريق تمويله أو عن طريق عرقلة الجهود الدولية في التصدي له".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- خليجية