FINANCIAL TIMES

الصين تعزز قوتها الاقتصادية بالسياسيّة .. في إفريقيا

الصين تعزز قوتها الاقتصادية بالسياسيّة .. في إفريقيا

الصين تعزز قوتها الاقتصادية بالسياسيّة .. في إفريقيا

أحد الشخصين من أفراد قوة حفظ السلام الصينية اللذين قُتلا في جنوب السودان العام الماضي، كان مزارع خيار سابقا من مقاطعة سيتشوان، والآخر كان زوجا وأبا من شاندوج.
عندما قُتلا في دورية بالقرب من مخيم للاجئين في جوبا، عاصمة جنوب السودان، أحدث بلد في العالم، كان هناك جَيَشان صغير على وسائل الإعلام الاجتماعية الصينية، حيث أعرب بعض المعلقين عن الإحباط إزاء تدخل بلادهم المتزايد في الأراضي البعيدة.
كتب أحدهم: "عليكم قتال الذين أصابونا بأضرار، وليس إدانتهم فقط".
تجدر الإشارة إلى أن الصين لديها 750 فردا في قوة حفظ السلام في جنوب السودان، وأكثر من ألفين في إفريقيا ككل، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديموقراطية وليبيريا - نشر أكبر من أي عضو دائم آخر في مجلس الأمن الدولي.
كون بكين كانت مستعدة للمخاطرة بالأرواح في أماكن بعيدة يُظهر كيف أن طموحاتها الاقتصادية تحوّلت إلى تدخل سياسي، ما يضع ضغوطا على استراتيجية عدم التدخل في الشؤون الخارجية المعمول بها منذ عقود.
يقول بيتر بيار آجاك، مؤسس المؤسسة الفكرية المستقلة في جوبا: "سياسة عدم التدخل المذكورة تتعرض لامتحان شديد الآن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموارد الطبيعية". حتى الآن، كما يقول، سياسة الصين في جنوب السودان هي "إلى حد كبير تتعلق بالحفاظ على تدفق النقط".
قبل حصول جنوب السودان على استقلالها عام 2011، كانت بكين تتعامل بشكل حصري مع الحكومة السودانية في الخرطوم. يقول آجاك: "عندما كنّا بلدا واحدا رأينا الصين تلعب دورا غير مُفيد، من خلال دعم حكومة الخرطوم، وجعل من الصعب تنفيذ صفقة السلام".
عندما أصبح الاستقلال واقعاً، غيّرت بكين الاتجاه؛ لأن معظم احتياطات النفط كانت في الجنوب. منذ ذلك الحين، كما يقول، تلعب الصين دورا فعّالا في الدبلوماسية المكوكية، أولاً للتفاوض على رسوم خط أنابيب النفط ليمر عبر السودان، ومن ثم التدخل في الحرب الأهلية في جنوب السودان التي خرجت عن السيطرة، الأمر الذي أعاق تدفقات النفط، واضطر الملايين إلى الخروج من منازلهم.
تقول يانمي تشي وكاسي كوبلاند في دراسة نشرتها مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية: "درجة مشاركة الصين في جنوب السودان كانت فوق التصوّر حتى قبل بضعة أعوام. رسمت بكين مسارا وسطيا يقوم على الحفاظ على مبدأ عدم التدخل الواسع في الوقت الذي تفسر وتختبر فيه طُرقا جديد لتنفيذه".
منذ أن أصبح تشي جين بينج رئيساً عام 2012، تخلّت الصين تدريجياً عن سياسة عدم التدخل التي التزمت بها لأكثر من 50 عاماً. في ظل رئاسة تشي، أنشأت بكين قاعدة بحرية في القرن الإفريقي في جيبوتي، وأصدرت قانونا يسمح بتمركز الجنود في الخارج، وعززت نفوذها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي.
المشاركة السياسية الأكبر في الخارج رافقت ارتفاعا هائلا في الاستثمارات الخارجية الصينية - من 2.7 مليار دولار عام 2002 إلى 170 مليار دولار العام الماضي، وكثير منها في بلدان محفوفة بالمخاطر.
معظم الاستثمارات الصينية الكبيرة تمت من خلال اتفاقيات بين الحكومات، كما يُشير مايكل هامفريز، ممثل بكين للشركة الاستشارية كونترول ريسكس. يقول: "افترض الصينيون أن كل شيء في الخارج كما هو في الصين - الحكومة المركزية ستجعل الأمور تحدث من أجلك.
المشكلة هي أن معظم السلطة التنفيذية لجعل المشروع يحدث غير موجودة على مستوى الحكومة المركزية، بل توجد على مستوى المقاطعة أو المستوى المحلي أو حتى القبلي. الحكومات الفرعية هي حيث تتعرض الصين للمشاكل".
فهم الأمر بطريقة خاطئة يُمكن أن يكون مُكلفاً. خلال الحرب الأهلية الليبية عام 2011، على سبيل المثال، بقيت الصين قريبة من معمر القذافي حتى بعد أن حكم معظم الآخرين بأن موقفه لا يُمكن الدفاع عنه. فشلت بكين في بناء الجسور مع المعارضة بسرعة كافية. وكانت الشركات الصينية تملك ما يساوي 18 مليار دولار من مشاريع البنية التحتية التي تضررت من القتال، وأُخرجت من الصفقات التجارية ما بعد القذافي. بالتالي انخفضت واردات النفط الصينية من ليبيا.
تقول تشي، التي هي الآن محللة في وكالة جافيكال دراجونوميكس في بكين: "ليبيا ركّزت اهتمام صنّاع القرار والمفكرين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الصينية وعززت النقاش حول ملامح عدم التدخل".
مخاطر التركيز بشكل حصري على الحكومة المركزية أظهرتها الحرب الأهلية السودانية وانفصال جنوب السودان عام 2011.
لوك باتي، باحث أعلى في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، يقول إن سياسة بكين في التعامل مع الخرطوم وحدها كانت لها نتائج عكسية. يُجادل في مقالة ستنشر قريبا: "إيرادات النفط في السودان عززت الممارسات القديمة لسوء الإدارة الاقتصادية، والرعاية السياسية، والدعم العسكري، وفساد النخبة السودانية في الخرطوم، وشركات النفط أصبحت هدفاً للمجموعات المحرومة من الامتياز".
وقال أحد الباحثين الذي استشهدت به الدراسة إن تدخلات بكين في إفريقيا يُمكن أن تكون بمثابة "تجربة وخطأ"؛ لأن القارة كانت لا تزال أقل عرضة للعاطفة القومية من الأماكن القريبة من الوطن، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي.
جينج جو، مديرة مركز القوى الصاعدة والتنمية العالمية في جامعة ساسكس في المملكة المتحدة، تتفق أن إفريقيا قدّمت للصين مكاناً لتجربة المشاركة العسكرية والدبلوماسية. وتقول: "إفريقيا هي قارة مهمة للصين من حيث مشاركتها في مهام حفظ السلام الدولية"، مُضيفةً أن تلك القارة هي المكان الذي بدأت فيه الصين "بتقديم نفسها كقوة عُظمى مسؤولة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES