FINANCIAL TIMES

انطلاق «الدولة الذكية» .. الروبوتات تشارك في تعليم أطفال سنغافورة

انطلاق «الدولة الذكية» .. الروبوتات تشارك في تعليم أطفال سنغافورة

انطلاق «الدولة الذكية» .. الروبوتات تشارك في تعليم أطفال سنغافورة

في صباح يوم غير بعيد في روضة سباركلتيتوس في سنغافورة، جلس كل من نتالي وبريان وميكائيل، وهم في الرابعة من العمر، على الأرض حول آلة اسمها كيبو وعكفوا على برمجتها من خلال إدخال مجموعة من الإرشادات المطبوعة على قطع خشبية مربعة. كان مطبوعا على كل قطعة كلمة تطلب تنفيذ أمر معين - "للأمام"، "للخلف"، "مصافحة"- مكتوبة باللغة الإنجليزية وفي هيئة رمز يستطيع الروبوت فهمه واستيعابه.
بدأ الأطفال يومهم. صفقت ناتالي وصرخ الآخرون فرحين عندما تحركت الآلة. فقد فعلت تماما ما تم برمجتها لفعله، وسماعها تصفيق الأطفال استثار حركتها. صاحت نتالي وزملاؤها: "مرة أخرى مرة أخرى".
في سنغافورة التي حظيت بإعجاب عالمي بسبب نظامها التعليمي، تجري السلطات تجاربها في استخدام الروبوتات لمساعدة المعلمين في رياض الأطفال. ساعد اثنان من الروبوتات، "بيبر" و"ناو"، المعلمين في تجربة امتدت سبعة أشهر في اثنتين من رياض الأطفال في العام الماضي، في الوقت الذي تم فيه نشر استخدام الألعاب الممكنة تكنولوجيا، مثل "كيبو"، في 160 مدرسة أطفال، بما في ذلك روضة سباركلتيتوس.
يعتبر صناع السياسة في هذه المدينة الدولة أن أنظمة الأندرويد عامل مساعد في مجال التعليم، في الوقت الذي يكون فيه الهدف من استخدام الألعاب التكنولوجية هو تشجيع التلاميذ أن يكونوا أكثر إبداعا في مجال التكنولوجيا.
قال فو هوي هوي، المسؤول الرسمي في وكالة تابعة للحكومة في سنغافورة تضطلع بمهمة استكشاف إمكانات التكنولوجيا الرقمية: "نحن نتخيل مستقبلا ليس ببعيد، تستطيع فيه الروبوتات التفاعلية القادرة على أداء مهمات متعددة يؤديها البشر والقادرة أيضا على تقديم تصور لأفكار معقدة، مساعدة الأطفال في التعلم والتشارك بشكل أفضل".
بعد عقود أصبح خلالها وجود الروبوتات أمرا مألوفا في قاعات المصانع، تدخل الآن مجتمعنا كآلات تمنح الراحة ورفاق لعب وربما معلمين. تم اعتماد "بارو"، الطفل الآلي الذي بيع لأول مرة في اليابان في عام 2003، في دور الرعاية في جميع أنحاء العالم. وجاسبارزينو، الروبوت القصير ذو الرأس الذي يتخذ شكل حرف T، يلعب ألعاب الإشارة مع الأطفال المرضى في الجناح الخاص بطب الأطفال في مستشفى لشبونة للسرطان.
لكن التعليم، وعلى وجه الخصوص تعليم الأطفال صغار السن جدا، هو المجال الذي يركز بعض الباحثين وصناع السياسة طاقاتهم فيه. فالسنوات الأولى هي فترة التعلم المكثف والتطور السريع بالنسبة للدماغ. والمهارات التي ستكون مهمة طوال فترة الحياة يجري اكتسابها في هذه المرحلة - من اكتساب الثقة واحترام الذات إلى المهارات الاجتماعية، مثل تعلم اللعب بشكل جيد، والمشاركة، وتقاسم الأدوار، والتعامل مع الصراعات.
ومن المفارقة أن دعاة التجارب يثيرون آمالا بأن الروبوتات سوف تجعلنا أكثر إنسانية. في بيان، قالت الوكالة الحكومية السنغافورية التي تقف خلف تلك التجارب الأولية، إن تلك الروبوتات "تشجع التشارك والتفاعل الاجتماعي بين الأطفال صغار السن"، مستشهدة بأبحاث من الولايات المتحدة وإسرائيل.
لكن في عالم يشعر فيه الناس بالقلق بشكل متزايد بشأن الوقت الذي نمضيه نحن وأطفالنا في استخدام الأجهزة، تثير التجارب أيضا تساؤلات حول الديناميات المتغيرة في مجتمعاتنا. ويخشى بعضهم من أن "العلاقة المزعومة" مع الإنسان الآلي ربما تصبح بديلا مقبولا للتفاعل الإنساني.
الرائد في كل تلك الجهود المتمثلة في دمج الروبوتات في قطاع التعليم كان سايمور بابرت، عالم الرياضيات وعالم الحاسوب، الذي عمل مع الفيلسوف السويسري وعالم النفس المختص بالأطفال، جان بياجيه، في جامعة جنيف قبل الانتقال إلى معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا في عام 1963. وهناك طور لغة برمجة للأطفال وساعد في تأسيس مختبرات الإعلام الخاصة بالمعهد.
أجرى بابرت تمييزا بين استخدام أجهزة الكمبيوتر في التعليم لتدريس الطفل بكل بساطة، وقدرتها على أن تكون أداة تمكين خلاقة ومبدعة. كتب في كتابه المؤثر "عواصف ذهنية: الأطفال والحواسيب والأفكار القوية" الذي نشر في عام 1980: "في كثير من المدارس اليوم تعني عبارة التعليم بمساعدة بالكمبيوتر جعل الجهاز يعلم الطفل. قد يقول أحدهم إنه يجري استخدام الجهاز لبرمجة الطفل. في رأيي الطفل هو من يبرمج الجهاز، وبذلك يتم اكتساب إحساس بالتفوق على قطعة من أحدث وأقوى أنواع التكنولوجيا وينشأ اتصال ودي حميم مع بعض الأفكار الأعمق في مجال العلوم والرياضيات وبناء النماذج الفكرية".
عمل بابرت على تكييف روبوت موجود على شكل سلحفاة ليقوم باتباع تعليمات يمليها جهاز حاسوب. وتم تجهيز هذه الآلة المبتدئة وتزويدها بقلم مدمج يسمح لها برسم خطوط على ورقة، وبناء نماذج من سلسلة من الأعمال الروتينية. وهذه الأنماط تسمح للأطفال بتصور قوة البرنامج الحاسوبي في توليد التطور والتقدم من خلال بضعة أسطر من البرنامج.
مارينا بيرس، التي درست مع بابرت في معهد ماساتشيوستس وتعمل الآن أستاذة في جامعة تافتس في ماساتشيوستس، صممت الروبوت كيبو الذي تجري تجربته في رياض الأطفال في سنغافورة. وهي ترى أن النهج الذي تتبعه سنغافورة يوضح انخراطا أعمق في التكنولوجيا أكبر من انخراط أنظمة المدارس الغربية، التي تؤكد تعليم علوم الحاسوب.
تقول بيرس: "إذا فكرت في العالم، ستجد أننا محاطون بأشياء ذكية. فباب المصعد يغلق ويفتح بسبب وجود جهاز استشعار فيه. ما تستطيع سنغافورة تصوره وتنفيذه هو جعل الأطفال يفهمون الطريقة التي صنعت بها تلك الأشياء. في الولايات المتحدة توجد حركة تحول كبيرة في مجال علوم الحاسوب بالنسبة للجميع - لكن علوم الحاسوب ليست مماثلة لفهم الطريقة التي استخدمت في صناعة تلك الأشياء".
يجد الأطفال الذين يستخدمون "كيبو" أنفسهم أكثر ميلا إلى اعتبار الآلات وكأنها أجهزة يمكنهم التحكم فيها وتطويرها، والتفكير في طريقة صنعها. تضيف بيرس قائلة: "هؤلاء الأطفال سوف يكونون قادرين على أن يصبحوا من صانعي جيل جديد من الروبوتات".
عندما أدخلت سنغافورة لأول مرة نظامي الأندرويد، "بيبر" و"ناو"، إلى الغرفة الصفية في العام الماضي، لاحظ المعلمون أن الآلات غالبا ما كانت تتوصل إلى تحقيق نتائج ممتازة مع أطفال خجولين في العادة. وحقق الأولاد والبنات الأكثر خجلا نتائج مرضية. الأطفال والبنات الخجولون كانوا أكثر رغبة في خوض التجربة والتطوع بالقدوم إلى مقدمة الصف إذا كان ذلك يعني أنهم قادرون على التفاعل مع بيبر.
في الدراسة الأولية التي استغرقت سبعة أشهر، والتي تم فيها إعارة الروبوتات مجانا من قبل الشركة اليابانية الصانعة "سوفت بانك"، كان بيبر يوجه الأسئلة إلى الأطفال بعد أن يسرد عليهم القصص. عقب قراءة قصة إيسوب "السلحفاة والأرنب"، سألهم الروبوت: "كيف شعرت السلحفاة بعد تحقيق النصر؟ كيف سيكون شعور الأرنب باعتقادكم؟". وكان الهدف من طرح تلك الأسئلة، التي كانت إجاباتها تتم من خلال الاختيار من أجوبة متعددة، هو بناء الفهم والاستيعاب.
الأطفال الذين تعرضوا من قبل لفكرة الآلات الذكية من خلال التلفاز والأفلام كانوا يشعرون بسعادة غامرة عند مقابلة الروبوتات البشرية، كما تقول ميليسا بي، المعلمة في رياض أطفال "ماي ويرلد". أخبرتني من خلال رسالة في البريد الإلكتروني قائلة: "لم يشعر أي من الأطفال بالخوف من ذلك. في الواقع كان لديهم كثير من التساؤلات الموجهة لـ "ناو"، مثل "كم عمرك؟ لماذا أنت قصير جدا؟ هل ستبقى بهذا الطول نفسه عندما تصبح في العام المائة من عمرك؟".
مثل أي أداة تعليمية جديدة، تقول بي إن الروبوت يستحوذ على انتباه التلاميذ، لكنها تساءلت حول قدرته على تعليم الأطفال بقدرة المهارة البشرية نفسها. "الروبوت لعدم كونه فردا مفكرا، غير قادر على طرح أسئلة واستخلاص إجابات، والحث على التعلم الاستكشافي وتوجيه الطفل نحو الانخراط في مسار جديد من الفكر أو تطوير أفكار جديدة خاصة به. وهو غير قادر أيضا على تلبية الاحتياجات العاطفية للأطفال".
سنغافورة ليست الدولة الوحيدة في مجال استكشاف إمكانات الروبوتات في الغرفة الصفية. فقد تم استخدام نظام ناو في المدارس الأساسية في بيرمنجهام في المملكة المتحدة، حيث كان يستخدم لمساعدة أطفال يعانون التوحد. وكان هدف التجربة التي أجريت في مدرسة توبكليف الابتدائية في عام 2014 هو مساعدة الأطفال في تفهم النماذج والإشارات الاجتماعية. والفكرة هي أنه من خلال تبسيط التفاعلات تستطيع الروبوتات المساعدة في جعل حالات التفاعل الاجتماعي، مثل اللعب، أسهل ليتمكن أطفال التوحد من متابعتها. كذلك استخدم الباحثون في إسرائيل أيضا نظام ناو لسرد القصص على أطفال رياض الأطفال.
في خريف عام 2002 أحضر الباحث الأمريكي، جافير موفيلان، معه جهاز "روبوفي"، وهو نظام أندرويد ياباني الصنع نحيل وثنائي القدمين، إلى مركز رعاية الطفولة الخاص بابنه في كيوتو. وكان قد أصبح موفيلان مدركا للمشاعر الإيجابية القوية الخاصة بالعلاقات العاطفية التي يمكن أن تستثيرها الروبوتات الاجتماعية لدى البشر، لكنه اعترف في وقت لاحق بأنه شعر بالصدمة بسبب رد فعل الأطفال المبالغ فيه جدا - كانوا مذعورين جدا من الآلة.
في جامعة كاليفورنيا، في سان دييجو، حيث كان يعمل، أطلق موفيلان مشروعا لدراسة الاستخدام المحتمل للروبوتات لمساعدة المعلمين في تعليم مرحلة الطفولة المبكرة. ربما كان مدركا لمدى الخوف الذي كان يشعر به الأطفال في مركز كيوتو، إلا أن الآلة التي طورها الفريق والتي تسمى "روبي"، كانت لطيفة وخرقاء نوعا ما. "روبي" كانت في شكل صندوق له عينان مع شاشة لمس في المقدمة، وكانت تؤدي أغنيات وألعابا تفاعلية هدفها تحسين المفردات اللغوية لدى الأطفال.
في الوقت الذي كان يراقب فيه الأطفال الروبوت، كان هو يراقبهم أيضا، بحيث يتعلم كيف يميز ما إذا كانوا يبتسمون أم لا. وكانت روبي تستطيع أيضا أن تبدي عواطفها. فبعد حادثة مبكرة سحب فيها الأطفال ذراع أحد الروبوتات، تمت برمجتها بأن "تبكي" عند تعرضها لأي أذى جسدي - بحيث تعطي إشارات على أنها تتعرض للأذى.
في ورقة بحثية تم تقديمها في مؤتمر عقد في أوساكا قبل أكثر من عقد من الزمن، قال موفيلان إن "تطور الروبوتات الاجتماعية يكشف جوانب ظاهرية خاصة بالطبيعة البشرية تم تجاهلها خلال الـ 40 سنة الماضية".
والافتراض الرئيس للعلماء الذين يدرسون العقل البشري أن الإنسان عبارة عن "مخلوق مفكر" في الأساس، بحسب موفيلان. لكن الروبوتات الاجتماعية وقدرتها على "لمس القلب البشري" تبين لنا أهمية مشاعرنا وردود أفعالنا على المدخلات الحسية. وفي عام 2012 أطلق موفيلان وثلاثة آخرين من علماء المركز في سان دييجو شركة ناشئة، "إيموتينت"، بهدف استخدام مجال الذكاء الاصطناعي لقراءة المشاعر من خلال التعرف على الوجه.
ويثير الاستخدام المتزايد للروبوتات مع الأطفال الصغار بعض الانزعاج. تحذر شيري تيركل، أستاذة علم النفس الاجتماعي في معهد ماساتشيوستس، التي درست التفاعل بين الإنسان والروبوت على مدى عقود، من مخاطر إنشاء علاقات مزيفة ما بين الأطفال والمساعدين من الآلات. في رد أرسل عبر البريد الإلكتروني على عدد من التساؤلات، كتبت: "لماذا نعمل بجد واجتهاد لإيجاد علاقة يمكن أن تكون فقط على أساس (كما لو أن؟). لا يمكن للروبوت مطلقا الانخراط في علاقة واقعية. لماذا ينبغي لنا تطبيع ما هو مزيف وفي إطار علاقة مزعومة منذ البداية؟".
وتحذر تيركل من أن الضرر يحتمل أن يكون كبيرا. "ليس لما يتعلمه الأطفال، بل لطبيعتهم، وقدرتهم على الانخراط في علاقة مع الآخرين". في كتاب لها صدر في عام 2011 بعنوان Alone Together، يدور حول الآثار المسببة للعزلة، الناشئة عن الاعتماد البشري على التكنولوجيا، تحذر من مخاطر استخدام الروبوتات كرفقاء للأطفال. وتكتب: "نحن نتعلم كيفية الإصغاء والدخول في محادثة مع الآخرين من خلال الناس. والآثار على نمو الأطفال الذين يتخذون من الروبوتات نماذج لهم غير معروفة، ويحتمل أن تكون كارثية ومدمرة".
وبدأت سنغافورة ثاني تجربة لها في الروبوتات التعليمية في كانون الثاني (يناير) 2016، بتكلفة بلغت 1.5 مليون دولار سنغافوري (840 ألف جنيه استرليني)، حيث وضعت كيبو ولعبة أخرى مدعومة بالتكنولوجيا، "بي بوت"، في 160 روضة لمنح الأطفال قدرة على كيفية السيطرة على الآلات والتعامل معها. وسيتم تقييم الأثر لرؤية ما إذا كان ينبغي لكل طفل في مرحلة ما قبل المدرسة الحصول على إمكانية الوصول إلى الآلات والتعامل معها.
وتشكل التجارب جزءا من برنامج "الدولة الذكية" الذي تطبقه سنغافورة، الذي أطلقه رئيس الوزراء، لي هيسين لونج، في عام 2014 بهدف الاستخدام الفاعل للتكنولوجيا لتعزيز الحياة اليومية. وتشمل المبادرات الأخرى نشر أجهزة استشعار وكاميرات في جميع أنحاء المدينة - لجمع ومقارنة البيانات على مستوى غير مسبوق. ستيف ليونارد، وهو مسؤول رسمي حكومي في سنغافورة، قال أثناء حفل إطلاق التجربة الأولية الثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي: "بينما تصبح سنغافورة دولة ذكية، سيحتاج أبناؤنا إلى الشعور بالارتياح أثناء التعامل مع التكنولوجيا".
وتوصلت كالا مينياندي، مديرة روضة سباركلتيتوس، إلى أن الألعاب أثبتت فعاليتها باعتبارها وسيلة لتوسيع نطاق الإبداع لدى الأطفال ليسيروا في اتجاهات جديدة - وهو أمر يعكس صدى العمل السابق الذي قام به سيمور بابرت في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا. قالت: "يمكنهم اللعب في الجوار. وتنتعش مخيلتهم على الفور".
ويتعلم الأطفال في سباركلتيتوس، الذين تجمعوا حول كيبو، وهي آلة مستطيلة الشكل، أساسيات تعليمات البرمجية. وأمر "التكرار" بصفة خاصة يعتبر طريقة خفية لتعليمهم موضوع الأتمتة (التشغيل الآلي) والحجم الذي يمكن الوصول إليه من خلال جعل الآلة تنفذ أمرا بشريا واحدا. بما أن الأمر يبدأ وينتهي بالكلمات "كرر" و"إنهاء التكرار"، يُطلب من الأطفال أن يتخيلوا أنهم يصنعون شطيرة. يتساءل أحد المعلمين قائلا: "لا بد من وجود خبز في الطرفين. ما الذي نريد من كيبو تكراره في الوسط؟".
تلك هي أوامر تسمح للأطفال باستكشاف مزيد من التعقيد. أحد القطع الخشبية مكتوب عليها "إذا"، لذلك يستطيع الأطفال إنشاء تسلسل منطقي مثل "إذا صدر الضوء عليك بالغناء"، ومن ثم يستجيب الروبوت بعد إطلاق الضوء بحيث يبدأ في الغناء.
في غرفة صفية أخرى، يجري تعليم ثلاثة أطفال لغة الماندارين (الصينية) بمساعدة "بي بوت"، وهي آلة أنيقة مخططة باللونين الأسود والأصفر بحجم لعبة السيارة تقريبا. من خلال الضغط على أزرار الموجودة في الخلف، يبرمج الأطفال الجهاز لينتقل عبر قطعة بلاستيكية موجودة على الأرض عليها أحرف الماندارين. تبدو اللعبة أصعب مما هي عليه. أحد الأطفال، الذي يرتدي قميصا أزرق وبنطالا أحمر، يعاني أثناء اللعب. فهو يعد العدد الصحيح من المربعات ليصل إلى كلمة "قرد" لكن "بي بوت" يذهب في الاتجاه الخاطئ. يصبح من الواضح أن الطفل مشوش بين الذهاب يمينا أم يسارا، وبالتالي يوجه الآلة في الاتجاه الخطأ.
على طاولة موجودة في غرفة تربط بين صفين دراسيين ينشغل أطفال بصناعة دوائر من شريط نحاسي، باستخدام شريط لربط بطارية مصغرة مع "إل إي دي". وتعمل مجموعة أخرى على بناء آلات صغيرة من مكونات إلكترونية دقيقة الحجم - محرك يمكنه تدوير عمود، وجهاز استشعار، ومصباح إل إي دي - متصلة مع بعضها بعضا مثل مكعبات الليجو.
يتعامل هؤلاء الأطفال مع الروبوتات كما لو أنها أشياء يجب استغلالها بدلا من أنها عوامل مساعدة في التدريس الفني. لكن هنا أيضا، يقول المعلمون إن الآلات غالبا ما تشعل رد فعل عاطفي. تلاحظ لولين ماناهان، وهي معلمة في روضة سباركلتيتوس، أن طفلا واحدا - أكثر تحفظا وأقل طلاقة في التحدث باللغة الإنجليزية من بعض الأطفال الآخرين - ألِف استخدام الروبوتات. "في الدروس العادية لا يتكلم كثيرا جدا على الرغم من أنني أعرف أنه يعلم الإجابة الصحيحة. وأداؤه جيد في الواقع - فهو مستعد للتشارك مع الآخرين في الأعمال التي أنجزها. ويرغب في مشاركة إنجازه".
كانت النتائج الأولية التي توصل إليها المشروع الأولي في سنغافورة، المتمثل في إدخال "بيبر" و"ناو"، مشجعة لكنها غير حاسمة، وفقا لاختصاصي الروبوتات المشارك في تقييم التجربة. يقول تشين أي مينج، مدير مركز الأنظمة الذكية في جامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة، إن قياس التجربة الأولية كان نوعيا أكثر من كونه كميا - بدلا من البحث فيما إذا كانت الروبوتات قد تحسن من نتائج الأطفال في مادة الرياضيات، مثلا، كان التركيز على التواصل الاجتماعي.
ويضيف: "بحثنا في الطريقة التي تستثير بها الروبوتات الجانب الإبداعي لدى الأطفال"، مشيرا إلى وجود فجوة بين توقعات الإنسان وقدرات الروبوتات. "يعتقد الناس أن الروبوت ذكي جدا، لكن كل حركة يؤديها تحتاج إلى مبرمج بشري يضع تعليماتها البرمجية"، مضيفا أن التجربة التعليمية كان ينبغي أن تكون مخصصة. "بحسب القيود المفروضة على المعدات والأجهزة (...) تستطيع الروبوتات تنفيذ رقصة بسيطة، لكنها لا يستطيع القفز". وحين سئل عما إذا كان يمكن للروبوتات في المستقبل أن تحل محل الأساتذة من بين البشر، بدا التشاؤم على تشين. فهو يقول إن تكاليف الروبوتات هي أحد القيود على توسيع استخدامها في التعليم. وهناك قيد آخر وهو شعور الآباء بالقلق بشأن الوقت الذي يقضيه أطفالهم أمام الشاشة، وما إذا كان وجود قدر كبير فوق الحد من التكنولوجيا في غرفة الصف أمرا غير مناسب للأطفال. ويقول: "هذه أساسا أداة للمساعدة في التعليم – ليس الهدف منها أن تحل مكان المعلم. لا أعتقد أن هذا سوف يؤدي إلى أتمتة غرفة الصف. كل ما في الأمر هو أنه كيف ندخل الروبوتات إلى التعليم، بحيث أن يحصل الأطفال على فهم أفضل لهذه التكنولوجيا؟".
بالنسبة لأجيال المستقبل، في الوقت الذي تصبح فيه الروبوت أكثر تطورا، التمييز بين الآلة الاجتماعية والإنسان ربما يصبح مشوشا. في روضة سباركلتيتوس كان يبدو على الأطفال أنهم سعداء بما فيه الكفاية ليقبلوا الروبوتات على أنها زملاء.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES