أخبار اقتصادية- خليجية

مختصون لـ "الاقتصادية" : قطر تتلاعب بمعدلات التضخم لتخفيف آثار العزلة

مختصون لـ "الاقتصادية" : قطر تتلاعب بمعدلات التضخم لتخفيف آثار العزلة

تستطيع خداع شعبك لبعض الوقت، لكن لا يمكنك خداعه طوال الوقت، هذا الذي لم تستطع فهمه إلى الآن السلطات القطرية، وأبواقها الإعلامية، الذين يعملون على اجتزاء المشهد وتزييف الحقائق بكل الطرق.
يتعجب المتابعون للوضع، من قراءة الدوحة للتداعيات الاقتصادية الناتجة عن مقاطعة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لها، حيث تنفي وجود أي آثار سلبية على اقتصادها، بل وتقلب الحقائق بأن أسواقها بخير ومعدلات التضخم في حدودها الطبيعية.
فهل يستقيم تقييم السلطات القطرية لنتائج المقاطعة مع حقائق الواقع والأرقام وتقديرات الخبراء والمختصين؟ أم إن الدوحة ستستفيق يوما ولكن بعد أن يكون السيف قد سبق العذل كما يقول المثل؟
أبرز ما تسعى السلطات القطرية للترويج له منذ مقاطعتها، هو أن الأسواق القطرية لم تضرر، وأن توافر السلع في الأسواق المحلية لدليل مادي ملموس على أن الدوحة هزمت مقاطعيها.
وحول ذلك تحديدا تجيب الدكتورة فيونا كالمان أستاذة التجارة الدولية قائلة: مثل تلك الترهات الإعلامية يمكن أن تنطلي على الفئات الشعبية غير المتخصصة في المجال الاقتصادي، ولكن الاقتصاديين أو المسؤولين عن وضع السياسات المالية في بنك قطر المركزي، أو العاملين في أسواق الاستيراد يعلمون تماما أن القول إن الأسواق الداخلية في قطر لم تتأثر محض أكاذيب.
وقالت فيونا كالمان لـ"الاقتصادية": " تتبنى الدوحة نظام السوق الحرة، بمعنى أن كبار المستوردين في قطر يحق لهم استيراد احتياجات السوق المحلية من أي مكان يرغبون فيه وفقا لقوانين التكلفة الاقتصادية، بهدف تعظيم أرباحهم المالية.
وأوضحت، أنه قبل المقاطعة، كان مستوردي منتجات الألبان على سبيل المثال سواء كان القطاع الخاص أو الدولة القطرية يقومون بالاستيراد وفقا لقاعدة استيراد سلعة بجودة ومعايير محددة، وبأقل الأسعار المتاحة في الأسواق، وبأقل تكلفة نقل ممكنة، ومن ثم فإن استيراد الدوحة منتجات الألبان من المملكة أو الماشية من الإمارات لم يكن يتم من منطلق سياسي أو دعم للصناعات السعودية أو مزارع الماشية الإماراتية، وإنما كان يتم لأنه يحقق مصالح الدوحة أولا وأخيرا.
وأشارت إلى أن استيراد تلك السلع الحيوية من الأسواق المجاورة يضمن أيضا انخفاض تكلفة النقل التي تعد عنصرا أساسيا ومهما في تحديد السعر النهائي للسلعة، موضحة أن الاستيراد وفقا لتلك القواعد يسمح بخفض التكلفة، ومن ثم يؤدي إلى انخفاض معدلات التضخم، لأن هوامش تحرك سعر السلعة من قبل المنتج – المصدر يمكن استيعابها في ظل انخفاض تكلفة النقل، وذلك يكون لدى السلطات المالية القدرة دائما على التحكم في معدلات التضخم، وانخفاض تلك المعدلات بصورة تسمح بإيجاد سياسة مالية مستقرة وجذابة لرؤوس الأموال الإقليمية والدولية.
وأضافت فيونا كالمان أستاذة التجارة الدولية، بطبيعة الحال الأمر يختلف تماما عندما تقوم الدوحة باستيراد سلع غذائية ومنتجات ألبان وشحنة من الأبقار، من دول تفصلها عنها الآلاف من الأميال، وأن تتم عملية النقل عبر أكثر وسائل النقل تكلفة وهي الطيران، فاستيراد الدوحة احتياجاتها من السلع الغذائية الحيوية من تركيا بالطائرات ونقل شحنة من الأبقار الألمانية تقدر بـ 165 بقرة إلى قطر جوا لتعزيز إمدادات الألبان، يعني ارتفاع تكلفة الاستيراد إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يعني عمليا قفز معدلات التضخم إلى مستويات غير معهودة، ما سيترك تأثيرات شديدة السلبية على كل من الاحتياطي النقدي الاستراتيجي لقطر، والأهم سيترك تأثيره على مجمل السياسية المالية بحيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع شديد في تكلفة الاستثمار في المستقبل، ونفور المستثمر الخليجي أو الدولي من الاستثمار في قطر".
وعلى الرغم من أن حكومة قطر لا تنفي ارتفاع معدلات التضخم، إلا أن أبواق الدوحة الإعلامية تعمل على التقليل من شأن معدلات ارتفاع الأسعار محليا، وتركز دائما على فكرة توافر السلع رغم المقاطعة.
وحول تلك النقطة تحديدا يعلق البروفيسور أندروا وودديل أستاذ الاقتصاد الكلي قائلا: "فيما يتعلق بالحالة القطرية علينا قبل التطرق إلى تحليل المشهد الراهن من زاوية التضخم، الأخذ في الاعتبار مجموعة من النقاط المرتبطة بالنظام القطري، فلا يوجد أجهزة رقابية تمارس نشاطا رقابيا حقيقيا على الأداء الحكومي، وفي ظل غياب الشفافية بصورة عامة، فإنه لا توجد لدينا صورة دقيقة حول الأرقام الرسمية بشأن معدلات التضخم في قطر، كما أن السياسة المالية للبنك المركزي القطري، تتسم بعدم الوضوح والارتباك في الوقت الراهن، إذ عليه إعادة تعديل أوضاعه بما يتناسب مع حجم التحديات الناجمة عن المقاطعة"
وفيما يتعلق بحقيقة معدلات التضخم في قطر يعلق قائلا: "المركزي القطري يتلاعب حاليا بمعدلات التضخم عبر آليات الدعم غير المباشر، مستندا في ذلك إلى احتياطات البنك المركزي، والاستثمارات الدولية فالحفاظ على أسعار المنتجات المتاحة في الأسواق بأسعار مقاربة لمثيلتها في فترة ما قبل المقاطعة، يتم ضمن شراء تلك المنتجات بأسعار منخفضة من الموردين الجدد وتحديدا تركيا، وذلك مقابل سداد الدوحة للفروقات المالية عبر خدمات أخرى، فعلى سبيل المثال تحملت قطر تكاليف إنشاء وتأسيس القاعدة العسكرية التركية، وكذلك نفقات نقل العسكريين الأتراك ومعداتهم من تركيا إلى قطر، وكذلك تكاليف سفرهم إلى بلدهم في الإجازات، حيث لا نجد أي تكلفة لتلك القاعدة في الميزانية العسكرية التركية، وهذا النوع من تعويض الجانب التركي يأتي مقابل ضمان إمداد أنقرة للدوحة باحتياجاتها من السلع والمواد الغذائية بأسعار منخفضة، لتحافظ الحكومة القطرية على صورتها الإعلامية بأنها لم تتأثر بالمقاطعة".
مع هذا يرى الباحث دوالي داونز أن انفجار معدلات التضخم في قطر أمر حتمي وفقا للنظرية الاقتصادية، إذا ما فرضت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب عقوبات إضافية على الدوحة.
وأوضح داونز، أن الدوحة ستبذل كل ما في استطاعتها للسيطرة على معدل التضخم ودفعه إلى أدنى حد ممكن، حتى وإن تسبب ذلك في تراجع شديد في احتياطيها المركزي، حيث إن ارتفاع معدلات التضخم بشكل رسمي، يفقد الدوحة أي جاذبية لها كسوق للعمالة الرخيصة، لأن ارتفاع التضخم يعني أنه وفقا لمعدلات الأجور الراهنة لن يكون العمل في قطر مجديا للعمالة غير الماهرة على وجه الخصوص، التي تستفيد من انخفاض أسعار المواد الاستهلاكية لتحقيق حد أدنى من الادخار، البديل الآخر أن يتم رفع مستويات الأجور والرواتب في قطر، ما يعني عمليا ارتفاع شديد في تكلفة الإنتاج المحلي، ومن ثم انخفاض ربحية المستثمر الإقليمي أو الأجنبي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- خليجية