Author

قيادة المنظمات .. والتنمية الإدارية

|

تعد وظيفة إعداد القادة من الوظائف الأساسية للمدير كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة. وقد توصلت الدراسات الميدانية إلى أن نقص أو عدم توافر مخزون من القادة الأكفاء كان سببا جوهريا في انهيار عدد من المنشآت. وعند بناء المنظمات يجب مراعاة مبدأين أساسين ألا وهما مبدأ "المنشآت الرائدة" ومبدأ "إعداد القادة".
إن مشكلة بعض المنظمات ليست في ضعف البرامج، أو عدم الاهتمام بالتدريب، أو الإهمال المتعمد للموظفين، أو أي من هذه المشاكل فهذه أعراض لمشكلة أساسية هي عدم وجود نظام تسير عليه المنظمات وعدم توافر مخزون من القيادات المؤهلة لتحافظ على نموها واستمراريتها. حتى تتضح لنا أبعاد هذه المشكلة سنلقى الضوء على مبدأين قياديين أساسين سبق أن عرجنا عليهما من قبل ولكنني مضطر لتكرارهما هنا لأنهما يفيداننا في تشخيص معضلة القائد الملهم. هناك مبدآن أساسان تقليديان الأول يطلق عليه "أسطورة الرجل العظيم" والثاني يطلق عليه "المنشأة الرائدة".
أسطورة الرجل العظيم أو "القائد الفذ" إحدى الأفكار القيادية التقليدية التي انتشرت في بداية القرن الـ19 وما زالت تمارس حتى الآن في بعض منشآت الأعمال. تقوم هذه الفكرة على بناء القائد لشخصيته وإهمال شخصية المنظمة ولهذا ستظل المنشأة قائمة ولديها القوة على التغيير والنمو طالما بقي القائد، ولكنها ستتوقف وتنهار بسرعة فائقة عندما يرحل عنها بنقل أو ترقية أو وفاة، ومن أمثلة ذلك شركة هورد جونسون للضيافة وشركة كولومبيا للإنتاج السينمائي، وقد تبنت شركة زينث هذه الفكرة عندما وصفوا قائدهم "ماكدونالد" بالمفكر العنيد المتألق.
وقد استبدلت هذه بفكرة "المنشآت الرائدة" حيث يبني القائد المنشأة وتكون لديها آلية البقاء والمقدرة على التطوير والتغيير الذاتي حتى لو رحل عنها مؤسسها، لأنه أنشأ داخلها خاصية النمو الذاتي، ومن أمثلة ذلك شركات موتورولا، ماريوت، بوينج، وسوني.
بناء خاصية النمو الذاتي للمنشآت يحتاج إلى إبداع وعبقرية فهو يصمم نظاما قادرا على استقطاب الكفاءات المتميزة وقذف الرديء من القياديين والعاملين والمتعاملين. هذا النظام يشبه إلى حد ما جسم الإنسان الذي يحتفظ بالجيد من الطعام والشراب ونحوه ويقذف الرديء من المكروبات والفيروسات. يقول سام ولتون مؤسس شركة وال مارت الرائدة "كنت دائما أريد بناء أفضل منظمة للبيع بالتجزئة بقدر ما في وسعي"، وها هي "وال مارت" ما زالت متألقة ومستمرة ومستقرة رغم رحيل زعيمها سام ولتون عام 1992.
عند تحليلنا للفكر الإداري لبعض المنظمات وفقا لهذين المبدأين يظهر أن أغلبها (المؤسسات) تتبنى الفكرة الأولى "أسطورة الرجل الفريد" ذي الشخصية البراقة وتغييب فكرة "المنشأة الرائدة". لذلك تُبنى أعمالها التشغيلية وأهدافها واستراتيجياتها إن وجدت على أساس وجود القائد فإذا رحل عنها توقفت عن الحركة والإنتاج. وعندما يتولى دفة القيادة قائد آخر قد يوجهها وجهة أخرى وقد يعود بها إلى نقطة الصفر في كثير من أنشطتها بحجة التطوير والتجديد. قبيل تعيين القيادات أو التجديد للقيادات الحالية فإن منظماتنا تمر بمرحلة ركود ولا تعمل بكل طاقتها حتى تستشف من هو الفارس القادم لكي تتكيف بفكره لأنها أسست على فكرة "الرجل الفذ".
بطبيعة الحال يعد القائد المؤهل من سمات المنظمات العملاقة ولكن ليس لدرجة أن غيابه يفقد المنشأة صوابها فتثبت في مكانها أو تنحرف عن الطريق، لذا تلجأ المنشآت الرائدة إلى تفعيل مصطلح التنمية الإدارية أو إعداد القادة للمحافظة على المنشأة كمنظومة وفكر مستقل وكنظام يطوع ويهذب فكر القائد ويشعره بالتبعية وليس العكس. وقد ذكرنا في مقال سابق أن هذا الموضوع أرق "جاك ولش" المدير التنفيذي في "جنرال إليكتريك" حيث قال قبل موعد تقاعده بتسع سنوات "من الآن فصاعدا، صار اختيار خليفتي أهم قرار سأتخذه، وهذا يشغل جانبا كبيرا من تفكيري ولا يكاد يمر يوم دون أن أفكر في هذا الأمر".
إضافة إلى تخلي بعض المنظمات عن فكر "المنشأة الرائدة" فإنها تفتقر إلى برامج إعداد القادة كما أنه ليس لديها خطة للخلافة، الأمر الذي أدى إلى خلو المنظمات من القيادات المؤهلة. طريقة المحاولة والخطأ التي تتبناها المنظمات عند تدريب الموظفين هي نفسها التي تستخدمها عند إعداد القادة عن طريق تمرير بعض القياديين على المراكز القيادية لعدة سنوات وترى أن هذا يكفي. وبهذا يكتسب القائد خبرته الإدارية والقيادية من الميدان عن طريق التجربة والخطأ فهو لم يعد ولم يدرب ولا يدري من أين يبدأ وإلى أين يتجه إضافة إلى أن طريقة اختياره من البداية لم يراع فيها فكر "المنظمة" بل فكر "القائد".
لذا أنشئت منظمات تفتقد أبسط مقومات التنظيم والإدارة فلا رسالة ولا خطط استراتيجية ولا أهداف ولا مخزون من القادة المؤهلين، وأساليب رقابية عتيقة ونظام حوافز خال من العدالة.

إنشرها