Author

اقتصاد حصيف .. وخطى ثابتة نحو «رؤية 2030»

|


كما هو متوقع فقد جاءت تعليقات البنك الدولي على السياسات الاقتصادية الحصيفة للمملكة، أن الاقتصاد السعودي يمثل نموذجا للاقتصاد المتطور الحريص على التوزيع العادل للموارد مع توازن يضمن نموا مستداما، فقد أشار المدير الإقليمي للبنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أن حزمة الإجراءات الاقتصادية السعودية التي تضمنت برنامج "حساب المواطن" و"ضريبة القيمة المضافة" و"الضريبة الانتقائية" تمثل توجها حميدا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية واتجاهات المملكة نحو اقتصاد مرن لا يعتمد على سلعة واحدة وهي النفط.
لعل تجربة المملكة في برنامج "حساب المواطن" هي أكثر ما لفت انتباه البنك الدولي، ذلك أنها استطاعت إصلاح سياسات الدعم في المملكة مع الحفاظ على دعم المالية العامة، وذلك هو التحدي الذي يواجهه عديد من دول العالم، فسياسات إيقاف الدعم ستؤثر حتما على متوسطي الدخل والأقل منهم، وبذلك تضعف قدرتهم الشرائية مما يعقّد الحالة الاقتصادية في البلاد، والحفاظ على الدعم العام بأساليبه الحالية "عند منافذ الاستيراد والتوزيع" يتسبّب في هدر الأموال وعدم العدالة من حيث إن المستفيدين هم التجار ابتداء وتصعب مراقبة والتأكد من وصول الدعم إلى المستحق من المواطنين ويستفيد من الدعم أيضا ـــ والحالة كذلك ـــ أصحاب الثروات وغير المستحقين للدعم أو الإعفاءات من الأجانب، كما أن هذا الأسلوب تسبّب في هدر الموارد مع ظواهر تهريب السلع المدعومة للخارج، لهذا فإن نموذج "حساب المواطن" من أجل الدعم المباشر يعمل على توجيه الدعم إلى المواطنين المستحقين له بشكل مباشر؛ فالدولة ستبقي الدعم كما هو، ولكن مع تحسين فعاليته، ولهذا اعتبره البنك الدولي من أفضل التجارب العالمية الحالية.
هذه الحزم الاقتصادية الجديدة التي تنتهجها المملكة بعد أن درست التجارب العالمية والآثار الاقتصادية لها ستقود المملكة ــ وفقا لتوقعات البنك الدولي ــ إلى معدلات في النمو الاقتصادي تتجاوز 2.6 لعامي 2018 و2019، وأن هذا النمو الاقتصادي المتوقع يعود إلى انتعاش في القطاعات غير النفطية، وتحسن في ميزان المدفوعات والمالية العامة. وهذا معناه أن النمو الذي بدأت معالمه تتحقق هو نمو مستدام - بإذن الله - لأنه يرتكز على إصلاحات اقتصادية عميقة، وأيضا يصحّح بشكل جوهري هيكل الإنفاق العام في المملكة؛ فضريبة القيمة المضافة كإحدى الحزم الاقتصادية التي تدعم المالية العامة، ومن ثم النمو الاقتصادي، تعد من أكثر الضرائب عدالة وسهولة في التطبيق، كما أن تأثيرها الاقتصادي في المواطن محدود، والتهرب منها ليس سهلا، وهذا هو أهم عناصرها. فأنواع الضرائب المباشرة الأخرى يستطيع التجار التهرب منها بعد أن حصلوا على قيمتها من المواطنين، وهذا ينتهي في ضعف المالية العامة وضعف التنمية ومشاريعها، وأيضا لم يسلم منها المواطن؛ بل قد تتسبّب في ضغط كبير على مصروفاته، ويصبح المال دولة بين الأغنياء فقط.
لقد أكد البنك الدولي، وفق تصريحات مسؤوليه أكثر من مرة، أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق "رؤيتها 2030"، وأن الأصعب أصبح خلفنا الآن من حيث بناء منظومة متكاملة من الإيرادات العامة التي تعزز الميزانية العامة للدولة فلا تتأثر اتجاهاتها وسياساتها بتغير أسعار النفط، وإذا توافرت لدينا مثل هذه الميزانية تمكنا من بناء خطط مستقبلية واقعية، وأيضا استطاعت القطاعات الاقتصادية المختلفة والشركات فيها التنبؤ بسهولة وبناء قرارات اقتصادية مستقبلية سليمة، وهذا سيعزّز فرص المملكة في جذب الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تعزيز دخل المالية العامة وهكذا في سلسلة هندسية من النمو، الذي سيعود حتما على المواطنين بالرفاهية والتنمية المتوازنة والأمن الاقتصادي الشامل مع تعزيز الفرص الوظيفية والاستغلال الأمثل للثروات لبناء مستقبل الأجيال المقبلة.

إنشرها