default Author

التكنولوجيا وتأثيراتها في منظومة النقل «2 من 2»

|
إن الابتكارات الرقمية لا تضمن تلقائيا أن يصبح مستقبل السفر والانتقال حقا أكثر استدامة. وإذا جانبنا الصواب، فإن هذه التأثيرات قد تؤدي أيضا إلى تفاقم مشكلات النقل القائمة بالفعل في المناطق المدنية. فاستخدام المركبات الكهربائية، على سبيل المثال، قد يحد من ضرورة استخدام السيارات، ويؤدي إلى ازدحام المدن وتراجع صلاحيتها للعيش فيها. والانتقال إلى استخدام سيارات ذاتية القيادة ينطوي بالمثل على تحديات، إذ لم يتضح كيف يمكن جعل المركبات الذاتية القيادة تعمل في بيئة مختلطة. فالمشاة الذين يخالفون قواعد السير، أو السائقون غير المهرة للمركبات العادية قد يتسببون في توقف السيارات ذاتية القيادة، ويرى الخبراء أن تحقيق المكاسب المجتمعية من مركبات القيادة الذاتية سيتطلب أن تكون أغلبية المركبات على ذلك الطريق ذاتية القيادة. وعليه، فإن المجتمع والأفراد قد يمكنهم تحقيق كثير من المكاسب إذا أصبح ركوب السيارات ذاتية القيادة عاما، لكن مع غياب حوافز سياسية، قد لا يجد المستهلكون الأفراد حافزا كافيا للمشاركة في التشجيع على استخدام السيارات ذاتية القيادة إذا كانت معظم السيارات الأخرى تقليدية. وفضلا عن ذلك، فإنه بجعل القيادة عملا لا جهد فيه ولا عناء تقريبا، قد تشجع المركبات ذاتية القيادة أيضا على القيام برحلات أطول والسفر إلى الضواحي، وهو ما قد يفضي إلى مزيد ومزيد من الزحف العشوائي للمدن. وإذا اقترنت بهذا سهولة تشارك ركوب السيارات، فإن هذه العوامل قد تزيد من الاختناق المروري وتجعل النقل العام أقل صلاحية وجدوى. نعمة أم نقمة؟ الأمر كله رهن بالسياسات والحوافز. إننا نرى أن وضع الحوافز الصحيحة للسياسات ولوائح التسعير السليمة سيكون ضروريا لضمان أن نجني من المبتكرات التكنولوجية منافع حقيقية، ولا سيما التدابير والإجراءات التي تساعد على وضع سعر للنواتج. ففرض ضريبة الكربون قد يدعم التقنيات المنخفضة الانبعاثات الكربونية أو التي تؤدي إلى عالم خال من هذه الانبعاثات، وفي الوقت ذاته سيكون فرض ضريبة التكدس المروري ضروريا للحيلولة دون تحقق السيناريو الكابوس الذي يتمثل في مركبات خالية من الركاب تطوف هنا وهناك طوال اليوم لتفادي دفع رسوم وقوف السيارات. وقد تساعد بنية تحتية خاصة ــ مثل حارات المرور أو المناطق الخاصة ــ مستلهمة من المناطق ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة الموجودة حاليا وحارات المرور للسيارات متعددة الركاب، على تسهيل الانتقال إلى "سيارات الأجرة" الصغيرة الخفيفة ذاتية القيادة، والوضع الأمثل أن يكون ذلك في إطار نظام لتشارك الركوب. ويثور هنا سؤال صعب للغاية عن كيفية معالجة مسائل الإنصاف في إمكانية الحصول على الخدمة على نحو يكفل الوفر في التكاليف إلى أقصى درجة في بيئة تتطور فيها التكنولوجيا سريعا. وقد يكون أحد المبادئ توجيه الدعم الحكومي إلى المستهلكين بشكل مباشر بدلا من أشكال معينة مثل الحافلات. من وجهة النظر العملية، سيكون الانتقال إلى الاعتماد على سيارات ذاتية القيادة في السفر أمرا شاقا، ولن تتحقق مزايا القيادة الذاتية ومنافعها إلا إذا تحول أغلبية السائقين إلى استخدام مركبات ذاتية القيادة. ولتحقيق هذه النتيجة، سيكون من الضروري توفير إطار السياسات الملائم ومرافق البنية التحتية الصحيحة، وأن يقترن بهذا كله سياسات الاستخدام المختلط للأراضي التي تعزز أواصر التعاون والترابط بين الناس والوظائف والخدمات. إن احتمالات اضطراب السفر والانتقال نتيجة للتكنولوجيا أكثر إثارة بكثير مما تنبأ به مسلسل "جتسون" الأمريكي الذي تدور أحداثه في عصر الفضاء. ولا شك أن الابتكار قد يكون مفزعا، لكنه يأتي في الغالب ومعه نصيبه من التحديات. وفي حالة النقل، سيتطلب تسخير مزايا التقنيات الجديدة والاستفادة منها قدرة هائلة على التنبؤ والتكيف مع التغيرات. لكن المنافع المحتملة تستحق الجهد والعناء، وإذا توخينا الحكمة والصواب في هذا، فقد تتاح لنا فرصة غير مسبوقة لإحداث تحول نحو الأفضل في وسائل الانتقال في المناطق المدنية، وبناء مدن على مساحات صغيرة يسهل الوصول إليها وتتمتع بظروف صحية صالحة للعيش فيها.
إنشرها