رؤية السعودية ٢٠٣٠

مختصون دوليون لـ "الاقتصادية": رؤية ولي العهد ستجعل السعودية قطبا استثماريا ضخما

مختصون دوليون لـ "الاقتصادية": رؤية ولي العهد ستجعل السعودية قطبا استثماريا ضخما

اعتبر مختصون دوليون اختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد تغيرا نوعيا إيجابيا في المسيرة السياسية والاقتصادية للسعودية معتمدا على مفهوم مواءمة القيم الثابتة مع احتياجات العصر، ويمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية وفق رؤية واضحة.
وتوقعوا انعكاسات إيجابية على الأوضاع الاقتصادية الداخلية في المملكة، وما سيتبع تلك الخطوة من تداعيات على معدلات النمو الداخلي، والتغيرات الجذرية المتوقعة في الهيكل الاقتصادي السعودي، وتأثير تلك التغيرات على وضعية المملكة في الاقتصاد الدولي، سواء في حجم المساهمة الإجمالية في التجارة العالمية، أو تحولها إلى قطب استثماري ضخم، حيث تعتبر المملكة زاوية التحولات التي ستطول اقتصادات منطقة الشرق الأوسط عامة والخليج على وجه الخصوص.
وقال الاقتصادي الفرنسي الدكتور إريك كارون أستاذ الاقتصادات الناشئة، أن اختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في المملكة، يمثل مرحلة اقتصادية مهمة التي وضع بعض بذورها خلال فترة توليه منصب ولي ولي العهد.
وأضاف لـ"الاقتصادية" إنه على الرغم من أهمية التفاصيل التي تضمنتها "رؤية 2030"، فإن العنوان الرئيس لها تمحور في تحرير الاقتصاد السعودي من القيود التي كانت تكبله، سواء تمثلت تلك القيود في ربط الاقتصاد الوطني بمصدر شبه وحيد للدخل وهو النفط.
وأضاف "الآن ومع توليه هذا المركز الحيوي في الهيكل السياسي الداخلي في المملكة، وما يتضمنه من صلاحيات، فإن المؤكد أن روحا من الليبرالية الاقتصادية غير المعتادة في الاقتصاد العربي عامة والسعودي على وجه الخصوص ستسري في الجسد الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، وإذ كان من المنطقي أن يولي ولي العهد الاهتمام الأول للاقتصاد الوطني، فإن مناخ الحريات الاقتصادية المقبل سيعمل على تحرير الاقتصاد السعودي من قيوده، دون العمل بمعزل عن الاقتصاد الإقليمي أو العالمي وإنما عبر العمل معهما كقاطرة جذب للإقليم، وتلك الروح من الحرية الاقتصادية سيكون لها تأثير في عدد من النواحي المختلفة، من أهمها رفع معدل النمو الاقتصادي، والثاني زيادة الاستثمارات الأجنبية في المملكة".
لكن تلك النظرة المتفائلة تجاه المستقبل الاقتصادي للمملكة، لا تمنع الاقتصادي الفرنسي من التحذير من الدور السلبي للبيروقراطية الحكومية، في التأثير على الاستراتيجية الاقتصادية التي يطرحها ولي العهد.
ومن هذا المنطلق يدعو الدكتور إريك كارون إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة، تمثل رسالة مباشرة للجهاز الإداري بأن افتقاد الحيوية الإدارية، سيتم التعامل معه بحزم.
ويشير إلى أن العالم الآن ينظر ويراقب عن كثب الخطوة المقبلة للسعودية على الصعيد الاقتصادي، إذ تبدو معظم المؤسسات الاستثمارية الدولية على أهبة الاستعداد للاستثمار في عديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسة، خاصة بعد سلسلة الاتفاقيات التي وقعتها الرياض مع واشنطن خلال زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة للرياض، فإن أغلب التكهنات ترجح أن تشهد الأسواق السعودية تدفقات رأسمالية كبيرة في الفترة المقبلة.
ويقول: "تشير بعض التقديرات إلى أن التدفقات الرأسمالية المتوقعة خلال الأعوام الخمسة المقبلة يمكن أن تراوح بين 70 إلى 110 مليارات دولار، وسيتوقف الأمر على مدى سرعة تفاعل الأجهزة الحكومية مع الإصلاحات الاقتصادية لولي العهد".
من جهتها تؤكد الدكتورة إيلين بيري أستاذة الاقتصاد الاجتماعي أن تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، يضفي ما تسمية "الحيوية الاقتصادية" على الهيكل العام للاقتصاد السعودي، ما يدفع في اتجاه مزيد من الجاذبية لاستقطاب رؤوس الأموال الدولية، وإحداث تغيرات حقيقية في الإطار العام الحاكم للنشاط الاقتصادي في المملكة مستقبلا.
وأضافت لـ"الاقتصادية": "إن الحيوية الاقتصادية في أي مجتمع تعد عنصرا رئيسا لضمان سرعة إنجاز الخطط المستهدفة ومعدلات النمو المرجوة، وفي الحالة السعودية وأعني تولي الأمير محمد لمنصب ولي العهد، نجد أن هناك جانبين للحيوية الجانب الأول ويرتبط بالشخصية ذاتها، فنحن نتعامل مع أمير شاب ينتمي إلى فئة عمرية شديدة الحيوية، وهذا الأمر له أهميته في مجتمع كالمجتمع السعودي، فالسعودية تنتمي اقتصاديا إلى فئة الاقتصادات الناشئة، وتلك الفئة من المجتمعات تكون مؤسسات المجتمع بصفة عامة والاقتصادية بصفة خاصة في إطار النشوء والتبلور والتطور المتواصل، ولم يكتمل نموها بشكل كامل وتام، كما هو الحال في المجتمعات ذات الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور كالولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ومن ثم القائد – النموذج يكون عنصرا رئيسا في إدارة المجتمع وتوجيهه، والحيوية الشخصية أحد الملامح الأساسية للقائد – النموذج وتبرز في سرعة اتخاذ القرار، والنشاط الدائم عبر تنسيق الروابط بين المؤسسات الاقتصادية المختلفة، بل والربط بين إدارة الاقتصاد الداخلي والمؤسسات الدولية، وجميعها عوامل تجعل من تولي الأمير محمد بن سلمان منصبة في تلك المرحلة العمرية، ضمان لتحقيق الشق الأول من الحيوية الاقتصادية المطلوبة لتطوير الاقتصاد السعودي".
وحول الشق الثاني من متطلبات الحيوية الاقتصادية تقول: "وفقا للأدبيات الاقتصادية الحديثة، لا تتوقف الحيوية على الجانب المشار أعلاه، بل هناك أيضا حيوية الرؤية الشاملة لإدارة المجتمع ككل والنشاط الاقتصادي على وجه الخصوص، وتشير أغلب التقارير الصادرة من المختصين والمؤسسات المالية الدولية التي تتابع تطور الاقتصاد السعودي، أن ذلك الشق من الحيوية – ويتمثل في الأساس في القدرة على طرح الإطار النظري العام لتطوير المجتمع والنهوض الشامل بمكوناته المختلفة- تمثل في ما طرحة الأمير محمد خلال توليه منصب ولي ولي العهد، من نظرة عكست فهم دقيق لعمل الاقتصاد السعودي، دون إفراط في فهم جوانب القوة، أو تهوين في طبيعة الثغرات التي يعاني منها النشاط الاقتصادي العام".
وتتابع: "لتطوير الاقتصاد السعودي فإن الإطار العام والتفصيلي الذي وضعه الأمير محمد بن سلمان خلال توليه منصب ولي ولي العهد، تبلور في "رؤية 2030" التي تبناها مجلس الوزراء السعودي، فجوهر الفكرة التي طرحها هي إضفاء حيوية اقتصادية على الهيكل الاقتصادي العام في المملكة، الذي أصيب ببعض الثبات جراء الاعتماد المفرط على النفط، واعتماد المجتمع المفرط على الدولة، ما أفقد المجتمع القدرة على تعزيز المبادرة الفردية، بما في ذلك تنشيط عمل القطاع الخاص، ولهذا ما يمكن أن نطلق عليه حيوية الرؤية الاقتصادية التي تجلت في "رؤية 2030" تعززت الآن بتعيين الأمير محمد وليا للعهد، فهذا يمثل ضمانة لعمل المؤسسات الرسمية في إطار من التجانس والتناغم .
ويعتقد الباحث الاقتصادي تم بايمي أن مفهوم الحيوية الاقتصادية باعتباره مفهوما حديثا نسبيا في الأدبيات الاقتصادية المعاصرة، سيمثل زخما ملموسا في الاقتصاد السعودي في المرحلة المقبلة، ويقول لـ"الاقتصادية": إن أجواء التفاؤل الاقتصادي سواء في الداخل السعودي أو بين المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية من تولي شخصية ذات رؤية متحررة تدافع عن القطاع الخاص وتشجع الاستثمارات الأجنبية لمنصب ولاية العهد في المملكة، يؤكد على أن جسور الثقة الراهنة بين الرياض والقوى الاقتصادية الفاعلة دوليا متماسكة ومتينة، وهذا سيكون له تأثر مهم على الاقتصاد السعودي سواء في الشق المتعلق بسوق المال أو المرتبطة بسوق العمل السعودي.
ويقول إن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية يترافق عادة مع مزيد من الكثافة في استخدام التكنولوجيا المتطورة في العملية الإنتاجية لتعزيز المجال الاستثماري، ويتطلب ذلك إحداث تغيير نوعي في سوق العمل المحلي، بما يتناسب مع "رؤية 2030" التي يحظى تطوير الكفاءات البشرية للشباب السعودي وخريجي الجامعات والمعاهد السعودية بأولوية ملموسة فيها، بهدف تكوين طبقة من التكنوقراط السعوديين القادرين على إدارة الدولة في مرحلة ما بعد النفط، ومن ثم فإن تعيين الأمير محمد بن سلمان في منصب ولي العهد، يمثل ضمانة للمستثمر الدولي بأن السوق السعودية ستكون قادرة على توفير احتياجاتها من الأيدي العاملة الماهرة والخبرات الفنية المطلوبة في مختلف المجالات، وبتكلفة مقبولة تمكنه من المنافسة، وهو ما يعني أن سوق العمل السعودي سيشهد خلال الفترة المقبلة تعزيزا لدور اليد العاملة السعودية في إدارة مفاصل الاقتصاد الوطني، ما سيتطلب تطوير للمناهج التعليمية بما يتلاءم مع الاحتياجات الجديدة للسوق السعودية.
البروفيسور مارتن إيثر المختص في اقتصادات الشرق الأوسط يعتقد أن انعكاس تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد سيتجاوز البعد الداخلي للاقتصاد السعودي على الرغم من أهمية ذلك. ويؤكد البروفيسور مارتن أن الدور الإقليمي الذي يقوم به الاقتصاد السعودي في المرحلة المقبلة سيتخطى الدور التقليدي له، الذي انحصر لسنوات في تقديم المساعدات والمنح للاقتصاديات العربية أو الاستثمار المباشر في بعض من تلك الاقتصادات، أو أن تمثل الأسواق السعودية مركزا أساسيا سواء لمنتجات الإقليم أو لليد العاملة العربية.
وعلى الرغم من تأكيد البروفيسور أن السعودية ستواصل القيام بهذا الدور، ليس فقط لطبيعة الفوائض المالية التي تتمتع بها، أو لحاجة السوق السعودي إلى الأيدي العاملة الأجنبية، وإنما أيضا لأن طبيعة الاقتصادات العربية تتطلب وجود اقتصاد مركزي قادر على القيام بتلبية تلك الاحتياجات.
ومع هذا يعتقد البروفيسور مارتن أنه على الرغم من صعوبة الحديث في الوقت الراهن عن معدلات نمو مرتفعة في الاقتصادات العربية، نتيجة غياب الاستقرار السياسي والأمني، بسبب تدخلات الدول المجاورة في النظام السياسي العربي، ومحاولتها للتوسع والهيمنة على الأسواق العربية عبر إضعاف النظام العربي بإيجاد مجموعات داخلية موالية لها، إلا أن ذلك لا ينفي من وجهة نظره بحث الإقليم عن نموذج يحتذى به للتطور الاقتصادي، وتواكب ذلك مع جهود بعض الأنظمة الأكثر استقرار نسبيا، في تبني توليفة من قيم التحرر الاقتصادي، كتحرير الحكومة المصرية لسعر الصرف، والمغرب التي تدرس حاليا المضي قدما في اتجاه مشابه، يكشف عن روح تواقة في المنطقة العربية للبحث عن نموذج ليبرالي، ومن هنا ينبع الدور السعودي في الإقليم مستقبلا من وجهة نظر البروفيسور مارتن.
ويوضح لـ"الاقتصادية" أن البرنامج غير التقليدي الذي تطرحه "رؤية 2030" يمثل حجر الأساس للدور الاقتصادي للمملكة عربيا في العقد المقبل، فتعزيز الحريات الاقتصادية في مجتمع ثري ومستقر كالسعودية وسط رعاية من الدولة، نموذج غير مألوف عربيا، بيد أن القيام بهذا الدور سيواجه منطقيا بعديد من التحديات، ويبدو أن ولي العهد السعودي كان مدركا من البداية لطبيعة هذا الوضع المعقد، فالتحديات التي ستواجه أسواق النفط مستقبلا، وهو ما دفعه لطرح رؤيته بشأن مرحلة ما بعد النفط، ولم يربط ذلك بالتغيير فقط في نمط الإدارة الاقتصادية، وإنما ربطه بتغير جذري في نمط الرؤية الاقتصادية ذاتها، وهو ما يعني أن الرياض تطرح نموذجا يتجاوز الحدود الوطنية التقليدية ليصبح نموذجا واقعيا يمكن تبنيه من المكونات الرئيسة للإقليم للإسراع بتطوير المنظومة الاقتصادية العربية، ولا شك أن تبني الأمير محمد بن سلمان لتلك الرؤية بشكل حاسم ضمن لها دعما دوليا كبير.
ويضيف أن هذا لا يعني أن الأمور ستسير بشكل طبيعي وتلقائي وسلسل دون أي معوقات، فلا شك أن الهياكل الاقتصادية والمنتفعين منها، لن يتحركوا في بعض الأحيان بالسرعة المطلوبة، كما يتوقع أن تجد أصوات عربية نشاز ومعرقلة، من خلال فتح قنوات ثانوية تعمل من خلالها على استنزاف الجهود السعودية للتنمية، وسيتطلب الأمر بعض الوقت لإحداث الاندماج المطلوب بين الرؤية الاقتصادية الطموحة لولي العهد لتحديث الاقتصاد الإقليمي، وبين الآليات الاقتصادية في التطبيق العملي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من رؤية السعودية ٢٠٣٠