Author

طريق المستقبل .. اجتياز الفجوة بين الواقع والمأمول

|
لا شك أن لكل كيان، أو لعلنا نقول "وحدة استراتيجية"، واقعا تعيش فيه، وآمالا نحو مستقبل أفضل، يطلب الوصول إليه خلال فترة زمنية محددة. وينطبق ذلك بداية على "الإنسان" الفرد، "كوحدة استراتيجية جوهرية"، ثم على الأسرة، فالحي، والمؤسسة، والمدينة، والدولة، وصولا إلى العالم بأسره. ويقترن تحقيق الآمال "بالمسيرة" التي تسلكها الوحدة الاستراتيجية، أيا كان حجمها أو تشعبت خصائصها، منطلقة من الواقع القائم باتجاه المستقبل المأمول. فقد تتمكن من الوصول إلى الأمل المنشود في الوقت المحدد، أو قد تتعثر على الطريق بسبب عوائق تواجهها، أو ربما تستطيع تجاوز المأمول والوصول إلى ما هو أبعد منه. ولعله من باب "التفكر والتدبر وتوخي الحكمة" أن تسعى كل وحدة استراتيجية إلى "التخطيط لمسيرتها"، وتحديد ما يمكن أن تفعله "لاجتياز الفجوة بين الواقع القائم والمستقبل الذي تتطلع إليه"، ضمن "المدة الزمنية المتاحة". ولا يحتاج مثل هذا التخطيط إلى أن يكون "مدروسا بعناية" فقط، بل يطلب منه أن يكون "مرنا" أيضا في تخطي المصاعب الطارئة، واكتساب الخبرة، وتعديل توجيه المسيرة عند الحاجة. وغاية هذا المقال هي توجيه "إضاءات" حول هذا الأمر، عسى أن يكون في ذلك ما يهم القارئ الكريم، ليس فقط في "مسيرته الشخصية"، بل في إطار "دائرة تأثيره" أيضا التي ربما تشمل وحدات استراتيجية واسعة النطاق. سوف ننظر إلى موضوع مسيرة وحدة استراتيجية "بين الواقع والمأمول" من خلال ثلاث مراحل رئيسة، ترتبط الأولى بتوصيف"واقع الوحدة الاستراتيجية"، وخصائص وضعها الراهن. وتركز المرحلة الثانية على طرح "الحالة المأمولة" التي تسعى الوحدة إلى الوصول إليها. ثم تهتم المرحلة الثالثة بتجسير الفجوة و"تحديد المسار" بين الاثنين. وسوف نلقي الضوء فيما يلي على كل من هذه المحاور، لنصل بعدها إلى توصية بشأن "طريق المستقبل" الذي ينطلق من أرض الواقع نحو الأمل المنشود. ترصد المرحلة الأولى "حقائق" الوضع الراهن "للوحدة الاستراتيجية" المطروحة، و"الأفكار" التي تقوم عليها، و"الأساليب" التي تتبعها في تنفيذ نشاطاتها. ويجب في هذا الإطار رؤية مشهد "الوحدة الاستراتيجية" والعناصر المؤثرة فيها والمتأثرة بها من كافة جوانبه؛ ويتضمن ذلك ثلاثة أبعاد رئيسة متكاملة. بعد يهتم "بسعة المشهد ومكوناته"؛ ثم بعد يركز على "استيعاب معطياته"؛ وأخيرا بعد يختص "بتقييم حالته". يشمل مشهد أي وحدة استراتيجية سمات تتعلق "بالناس" أصحاب العلاقة بالوحدة، ليس من هم ضمنها فقط، بل المتعاملين معها أيضا. ويتضمن المشهد أيضا صفات "المؤسسات" ذات العلاقة ومتطلباتها ووظائفها ومعطياتها، بما يشمل بالطبع المؤسسة الخاصة بالوحدة ذاتها، إضافة إلى المؤسسات المتعاملة معها، والمنافسة لها. ويشمل المشهد، بعد ذلك، خصائص "التقنية"، بما في ذلك تلك الخاصة بالوحدة الاستراتيجية، إضافة إلى تقنية المعلومات والاتصالات المستخدمة من قبل الجميع لتفعيل الأعمال في شتى المجالات. ويتضمن المشهد أخيرا، بيئة عمل الوحدة ذاتها وأداءها، بما في ذلك البيئة الداخلية المنظمة للعمل والإنتاج، والبيئة الخارجية المسوقة للمخرجات والمتعاملة مع الجهات الأخرى. ومن "المشهد"، نأتي إلى "استيعاب المشهد"؛ ويرتبط هذا الاستيعاب بالتفكير في عناصر المشهد أي "الناس، والمؤسسات، والتقنية، والبيئة". ولا بد لمثل هذا التفكير من منهجية تضع النقاط على الحروف. ويبرز هنا مبدأ التفكير المتوازي الذي يبحث عن قضايا مختلفة ومحددة ضمن المشهد. ولعل أبرز الأساليب في هذا المجال هو الأسلوب الذي ينظر إلى مشهد الوحدة الاستراتيجية نظرة رباعية، تتضمن: "مكامن القوة" في سمات عناصرها؛ و"مواطن الضعف" فيها؛ و"الفرص الممكنة" بشأن تطويرها نحو الأفضل؛ إضافة إلى "المصاعب المحتملة" التي يمكن أن تعيق ذلك. ونتقدم بعد ما سبق نحو "تقييم حالة المشهد"، بهدف تحديد "توجهات التطوير وأولويات الأمور التي ينبغي أخذها في الاعتبار. وبالطبع لا يمكن القيام بتقييم مناسب لحالة المشهد دون توفير "مؤشرات للقياس" و"أساليب للقيام بها". وهناك في هذا المجال: مؤشرات للقياس "الكمي" الذي يعطي قيمة موضوعية محددة، مثل أعداد المؤهلين وحجم إنتاجيتهم؛ وهناك أيضا مؤشرات للقياس "النوعي" الذي يعطي قيما تستند إلى دراسات مسحية، مثل آراء الناس، أصحاب العلاقة، في مختلف جوانب عمل الوحدة الاستراتيجية. بعد استكمال المرحلة الأولى المرتبطة "بالوضع الراهن"، تبرز متطلبات المرحلة الثانية الخاصة "بالحالة المأمولة". وتعتمد هذه الحالة على الوضع الراهن واستيعاب مضامينه وتقييمها من جهة، وعلى "الأهداف والتطلعات المستقبلية"، وآفاق "المأمول القابل للتحقيق"، من جهة أخرى. على أساس ذلك، يصبح المطلوب هنا هو "تكوين مشهد للحالة المأمولة"، يعطي التطوير المنشود للوضع الراهن، في إطار مختلف جوانب "المشهد، ومضمونه، وتقييم معطياته". بعد وضوح معالم كل من "الواقع" و"المأمول"، على ذات الأسس المشتركة سابقة الذكر، تأتي مرحلة "تجسير الفجوة" بينهما. وتعطي الأسس المشتركة لتكوين كل من مشهدي "الواقع والمأمول" عاملا مساعدا في وضع "مسار تجسير الفجوة" ضمن قنوات متوازية، متخصصة ومتكاملة. قناة لشؤون "الناس" والثروة البشرية؛ وأخرى "للمؤسسة" والمؤسسات ذات العلاقة؛ وثالثة "للتقنية" بجانبيها الخاص والعام؛ ورابعة "للبيئة" بمجاليها الداخلي والخارجي. وبالطبع تستغل "مكامن القوة" لتعزيز المسيرة، مع إيجاد الحلول "لمواطن الضعف"، إضافة إلى العمل على الاستفادة من "الفرص" المتاحة، وتجاوز "العوائق" المحتملة. ويحتاج تنفيذ مسيرة اجتياز الفجوة إلى صفة المرونة في التعامل مع المعطيات الطارئة التي تسهل العمل وتعزز تحقيق الطموحات المنشودة. تحتاج جميع "الوحدات الاستراتيجية" إلى التطوير واجتياز الفجوة بين "الواقع والمأمول"، وذلك على جميع المستويات، بما يشمل مستوى الأفراد، ومستوى المؤسسات الصغرى منها والكبرى. ومن المفيد أن يكون لكل وحدة استراتيجية تطلعات مستمرة، لا تنقطع، تدفعها للانتقال، عبر فترات زمنية متتالية ومتواصلة، من حالة إلى حالة أفضل، كي تستطيع من خلال ذلك، التنافس مع الآخرين، خصوصا وأن المنافسة، في هذا العصر، باتت قضية ملحة على الجميع. ولعل التطوير المتجدد المنشود، كما أسلفنا في مقال "حوكمة المؤسسات" السابق، يحتاج إلى"رافد معرفي ذاتي" يتمثل في "كيان للدراسات" ضمن كل وحدة استراتيجية، ينير لها الطريق نحو مستقبل أفضل.
إنشرها