Author

العولمة تتجه شرقا

|
عززت العولمة النمو الاقتصادي لدول العالم أجمع، بمجموع دوله المتقدمة والنامية على حد سواء. ولكن على الرغم من ذلك، فإننا نشهد اليوم مراجعات نقدية شديدة للعولمة حتى من أحزاب اليمين ذات النزعة الحمائية والانعزالية، بل حتى مناصري العولمة، باعترافهم بأنها أسهمت في اضطرابات وعمليات إخلال واسعة أضرت بالبيئة، وأدت كذلك إلى إلغاء كثير من الوظائف. وهو دائما الأمر الأكثر حساسية لأي اقتصاد، فالخسائر في الوظائف أدت إلى ظهور النزعة الحمائية. ما قد يؤدي إلى خسارة كل الفوائد المترتبة على العولمة التي تعمل على الاستغلال الأمثل للموارد، وتوجيه النشاط الاقتصادي لمن يحوز الموارد المناسبة؛ فتنخفض التكلفة الإجمالية ويرتفع النمو الاقتصادي نتيجة ازدياد التبادل التجاري. إحدى الوسائل التي عززت من العولمة ومن تأثيرها السلبي في الوظائف، كانت تقنية المعلومات وثورة الاقتصاد الرقمي. فزيادة الترابط التي أتاحتها التقنية والإنترنت جعلت من عمليات الإخلال والإزاحة أكثر عمقا في عملية توظيف الموارد. ولذلك فإن على الدول الأكثر استفادة من العولمة العمل بشكل موسع على تحييد الآثار السلبية لها، عبر الاستثمار في التعليم والتدريب ومبادرات البحث العلمي والتعاون الإقليمي في تنمية التقنيات التي يمكن أن تحل التهديدات الاقتصادية والاجتماعية. إضافة إلى ذلك، ينبغي العمل على فتح الأسواق بشكل أوسع، خصوصا لتسهيل حركة رؤوس الأموال لتعميق ترابط وسائل الإنتاج حول العالم. أمل العولمة في البقاء كقوة اقتصادية دافعة يرتكز ويعتمد بشكل كبير على الصين والدور الذي ستلعبه في ساحة السياسات الاقتصادية الدولية. فقد استفادت الصين مع بداية الألفية الحالية من نظام العولمة بتحويل البلاد إلى الصناعة باستغلال انخفاض تكلفة اليد العاملة. وهو ما أدى إلى إيجاد مصادر دخل جيدة للعائلات الصينية بدرجة أسهمت في الحد من الفقر خصوصا في الأرياف الصينية. ووفرت الصين للعالم منتجات مصانعها بتكلفة منخفضة، فتمكن الاقتصاد العالمي من الاستمرار في التمتع بزيادة في معدلات الاستهلاك على الرغم من تباطؤ النمو، وهو ما عمل على بقاء معدلات التضخم منخفضة حتى خلال الأزمة المالية العالمية وبعدها، فشهدت توسعا لم يشهد له العالم مثيلا في كمية النقد المتوافر. مبادرة طريق الحرير الصينية بمؤسساتها المالية والاستثمارية المتعددة الجنسيات تشكل أفقا جديدا للعولمة الاقتصادية. فبعد أن تمت إعادة توزيع النشاط الاقتصادي بناء على الاستغلال الأمثل للموارد، وبعد أن بدأت تكلفة الإنتاج في التصاعد في الصين نتيجة توسع قاعدة متوسطي الدخل، فالعولمة القادمة ستكون في مجال إمكانات النمو الاقتصادي. فمبادرة طريق الحرير ستعمل على زيادة ترابط مناطق متقدمة وأخرى نامية بشكل يفتح الآفاق أمام المناطق النامية لزيادة الطلب المحلي فيها على منتجات الدول الصناعية. وهي بذلك تشكل جيوبا غير مستغلة اقتصاديا. المهم في هذه العملية هو ربطها بالتعليم حتى لا تتحول الجيوب الجديدة إلى مجرد جيوب استهلاكية، إنما لتمكنها من المنافسة في عمليات الإنتاج للعالم أجمع.
إنشرها