عجائب المقدور:
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الدمشقي الأنصاري، المشهور بابن عرب شاه، مؤرخ عاش في القرن التاسع الهجري، وقد شدته شخصية الإمبراطور الطاغية تيمور لنك، الذي يعتبر من أهم شخصيات التاريخ العسكرية، وقدم من خلال الكتاب وصفا تاريخيا لمرحلة مهمة وملأى بالأحداث الجسّام التي مر بها العالم الإسلامي، خلال القرن الثامن الهجري.
يبدأ ابن عرب شاه كتابه بذكر صور من حياة تيمور، الملأى بالطرائف والعجائب والصدف الغريبة، فيذكر أن فقره دفعه في بداية حياته لسرقة خروف من أحد الرعاة غير أن الراعي أصابه بسهمين، أعطبا ذراعه وساقه. ثم يذكر أن قاد عصابة تهاجم القرى، وتقطع الطرق، ثم تطور به الأمر إلى تنظيم عصابات كبيرة تستولي على المدن، ثم أخذ بتنظيم عصاباته وتحويلها إلى جيش يحتل المدن والدول، وبعد سنوات بسط سيطرته على ممالك سمرقند، ومنها انطلقت جيوشه لتسيطر على دول أخرى.
وعن تيمور لنك يقول المؤلف إنه لم يكن يلتزم بقسم، ولا يحفظ عهدا، ولا يهتم لدين أو مقدس. كما كان يحب الصدق ويقتل كل من يكذب عليه، ويواظب على قراءة التواريخ وقصص الأنبياء وسير الملوك، حتى وصل به الأمر إلى تصحيح أخطاء بعض المؤرخين. أما أرخص شيء لديه فكانت حياة الآخرين. كما يذكر أنه زرع الجواسيس، واعتمد عليهم في حكمه للبلدان التي تتبع له. يقول زهير ظاظا عن الكتاب: كتاب نفيس، رصين العبارة، في أسلوبه ما لا نجده في أساليب معاصريه من التألم للمسلمين وأحوالهم، وبعث الحماس فيهم للخروج على طغاتهم، والاعتدال في ذم من يستحق الذم من طوائف المغول وجيوشها، ومدح من يستحق المدح من فضلائهم وعلمائهم، وكأنه واحد من رجال النهضة الإصلاحية في أواخر القرن التاسع عشر. وقد وصلتنا نسخ كثيرة من الكتاب تعود إلى هذا التاريخ، كما وصلتنا نسخ تعود إلى عصر المؤلف نفسه، وقد فرغ من كتابة الكتاب في القاهرة نهار الثلاثاء الأول من ربيع الأول 841هـ. وأودع فيه سيرة تيمور لنك الغدار الجبار (كما ينعته) مفصلاً وقائعه وفظائعه التي امتدت (36) عاما، منذ انقلب على السلطان حسين سنة (771) وحتى وفاته عام (807هـ) وختم الكتاب بنبذة تكلم فيها عن عمله في الكتاب...
ومن فوائده فيه: الفصل الذي سمى فيه من نبغ في ظل تيمور من أعيان العلماء والحكماء والصناع والنقاشين والمطربين. ومن نبغ في الشطرنج كعلاء الدين التبريزي، وأتبع ترجمة هذا بذكر الشطرنج الكبير وصورته، وعدد قطعه (56) قطعة. ومنها: صورة خط (الجغتاي) وحروفه. ووصفه كتيبة النساء في عسكر تيمور، ومنهن الحوامل، اللواتي يأتيهن الطلق وهن على ظهور الخيل. وأودعه مراسلات تيمور مع ملوك عصره سيما السلطان برقوق، والسلطان با يزيد، ونقل معظم هذه الرسائل عن أصولها التركية والفارسية، وكان يجيدهما، وقد عمل رئيسا لديوان الإنشاء في القسطنطينية أيام ابن بايزيد. طبع الكتاب طبعات كثيرة، أولها في كلكتا عام 1888 بعناية أحمد النصاري ثم في المطبعة العثمانية في القاهرة (1305هـ).
أضف تعليق