Author

هيئة الزكاة وحقيبة التحديات

|


أثارت إعجابي هيئة الزكاة والدخل عندما أصدرت نفيا سريعا لبعض الشائعات المتعلقة بالضريبة الانتقائية، ربما بعد ساعات فقط من انتشار الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي. ما أثار إعجابي لم يكن التوضيح السريع والفعال، وإنما أسلوب التفاعل مع المجتمع وأسلوب إدارة الوعي المرتبط بأعمال الهيئة، مقارنة بما كانت تقوم به -أو الذي لم تكن تفعله- "المصلحة" سابقا. ومثل هذا الإعلان توصلت له في رسائل نصية توعوية، أراها جيدة - إذا ما وضعنا مسألة الخصوصية بعيدا بعض الوقت. مَن يتابع جدول الهيئة المكتظ يعرف أن حقيبة التحديات كبيرة جدا والتركة صعبة وديناميكية التغيير التي يمر بها هذا الجهاز المهم لم يعهد لها مثيل.
ربما تكون هيئة الزكاة والدخل إحدى أكثر وأسرع الجهات استجابة لبرامج التحول، وهي أداة مهمة في إدارة التحول وتحقيق أهدافه. نراها فعلا ماضية في تخطيط وتنفيذ ما قيل قبل أكثر من سنة. قبل أيام قليلة، تم إعلان البدء الفعلي في تطبيق ضريبة السلع الانتقائية، والقيمة المضافة قادمة، ورفع كفاءة تحصيل مستحقات الزكاة والضريبة من الأهداف المعلنة التي نشعر بتحركات الهيئة الواضحة نحو تحقيقها ناهيك عن المشاركة المستمرة في عقد وتنفيذ الاتفاقيات الثنائية والدولية.
السؤال الذي يطرح لكل جهاز حكومي طموح: هل وجود هذا الزخم يعني أن كل شيء على ما يرام؟ في اعتقادي أن الجواب هو النفي التام. تصنع هذه الأنشطة المتعددة في الجهاز الذي يتم تدعيمه بالمتعهدين والمستشارين حالة من الفوضى والتشويش لن تكون في مصلحة البرامج التي يسعى الجهاز لتحقيقها. خصوصا، ونحن نعرف أن "المصلحة" سابقا عانت كثيرا في الجوانب التشريعية والتنفيذية والإجرائية، ما سبب تداخلا للقضايا وتأثر به في نهاية الأمر المستثمرون ورجال الأعمال، وبطريقة أو أخرى، جميع أطراف المجتمع. شاهدان بسيطان أضعهما هنا للتوضيح. قامت الهيئة بتدشين نظامها الجديد "إيراد" بداية عام 2016 قبل تاريخ تسليم الإقرارات الذي ينطبق على معظم مكلفي الشركات ببضعة أسابيع. وعلى الرغم من أن النظام يمثل نقلة نوعية في إجراءات تقديم الإقرارات السنوية، إلا أن ضيق الوقت وضعف الإعداد صنع حالة من الفوضى لم تكن نتائجها إيجابية للمكلفين ولا لموظفي الهيئة الذي يتطلعون إلى الحصول على معلومات مرتبة وبجودة عالية تمكنهم من إنهاء أعمالهم كما يجب. ومثل هذه الحالة تماما، فاجأت الهيئة عام 2017 مكلفي الزكاة بإصدار اللائحة التنفيذية لجباية الزكاة – دون إصدار النظام المنتظر- قبل تاريخ تسليم الإقرارات ببضعة أسابيع أيضا وبسريان مباشر للتنفيذ. ولا يخفى على المهتمين الإشكالات الأخرى المتعلقة مثلا بـ: فاعلية الاتفاقات الثنائية وجدوى استرداد المبالغ المدفوعة مقابل تكلفة استردادها، والسنوات الزكوية المفتوحة التي لم تتخذ فيها كوادر الهيئة قرارا على الرغم من تسليمها خلال الوقت النظامي، وقضايا الازدواج الزكوي المتحققة بإجراءات الهيئة في التعامل مع القروض أو بعض الأدوات الاستثمارية، ومعدلات ضريبة الاستقطاع التي لم تتغير منذ تدشينها في 2004، وكأن الظروف الاقتصادية لم تتغير منذ ذلك الحين.
لا يمكن لأي مشكك أن يدعي أن هيئة الزكاة لم تتغير كثيرا في السنوات الأخيرة، فالجهاز المالي الضريبي المهم مر بتغييرات تنظيمية وتقنية وبشرية جذرية. ولكن في نظري تبقى كثير من المشكلات التي تعانيها الهيئة موجودة، وعلى قائمتها –على الرغم من التطور الحاصل– مشكلة العنصر البشري، التي تمتد إلى الجامعات والكليات والبرامج التدريبية ذات العلاقة إضافة إلى قدرة الهيئة على استقطاب المواهب. ويليها تحد آخر مؤثر جدا، وهو تعارض المصالح المحتمل وتداخل الأدوار التي تقوم بها الهيئة وربما عدم تناسقها إلى حد ما، فالدمج بين الزكاة والضريبة في الإجراءات لا يوافق الفصل بينهما في المفهوم. وطريقة ارتباط الجهاز بالأدوار التشريعية والإشرافية والإجرائية (مثل إنشاء لجنة شرعية وإصدار الأنظمة وتحديد آليات الاعتراض وإدارة التحصيل في الوقت نفسه) تثير كثيرا من الأسئلة. التنظيم الأخير يعطي الهيئة صلاحية تأسيس الشركات لتحقيق أهدافها، ولكن حسب التصريحات، لا تخطط الهيئة في الوقت الحالي للقيام بهذه الخطوة. أرى أن المطلوب أبعد من تأسيس الشركات، مزيد من الاستقلالية بين تلك الأدوار مطلب مهم لتحقيق الجباية العادلة.
قد يفترض البعض أن مستوى أداء الهيئة في أعمالها الزكوية والضريبية خلال السنوات الخمس الماضية سيستمر للسنوات القليلة المقبلة كذلك. وهذا أمر غير مقبول وغير مطروح البتة، فمن غير الممكن أن يتم التعامل مع تحصيل واسترداد ضريبة القيمة المضافة ودراسة إقراراتها بكفاءة دراسة الإقرارات الزكوية نفسها والبت فيها. تزداد أهمية هذا الأمر إذا علمنا أن الهيئة في حاجة إلى درجات أعلى من التفاعل المجتمعي في الفترة القادمة وقَبول أفضل لبرامجها. لهذا، يتطلب الأمر قدرا أكبر من التغييرات الجذرية التي تجعل الواقع مختلفا وتسمح بتفعيل حقيبة الإصلاحات لهذه الأداة التنموية المحورية المؤثرة كما يجب.

إنشرها