Author

ابن حارس المدرسة

|
درس معي سعود في المرحلة المتوسطة، وكان طالبا مميزا في كل شيء، ابتداءً من خط يده. فأي شيء يكتبه يصبح قصيدة من فرط جمال خطه، فضلا عن فصاحته وجديته. تنبأت له بمستقبل مشرق، لكن مستقبله كان أفضل مما توقعت واعتقدت، أصبح قانونيا فذا، يعمل مستشارا لعديد من الجهات الكبرى، ولديه الكثير من المشاريع التجارية الناجحة والطموحات الكبيرة وما زال للمجد بقية. سألته عندما التقيته بعد انقطاع طويل عن الدافع الذي يقف خلف هذا الجوع للنجاح الذي أراه في عينيه، فكانت إجابته للوهلة الأولى بالنسبة لي تقليدية عندما قال: "أريد أن أرفع رأس أبي". فرددت عليه بسؤال: "كيف؟ اشرح"، فجاءت الإجابة التي لم أحسب لها حسابا. أجاب أن والده كان يعمل حارسا لمدرسة سنوات، وقد سمع أن زملاءه كانوا يتهكمون على وظيفة أبيه من خلفه. فقد كان آباء معظمهم مسؤولين وأصحاب مناصب وموظفين في شتى القطاعات، بينما والده عامل بسيط بأجر بسيط. لم ينس سعود عندما جاء والده ليُقِلَّه ذات يوم بدلا من أخيه الكبير، وكيف كانت نظرة بعض الطلاب إليه. يتذكر سعود سؤالا تلقاه من رفيقه على رؤوس الأشهاد وهو يهم بالركوب مع أبيه: "أمي تقول إن أباك هو حارس مدرستهم، ويسكن في منزل صغير ملحق بالمدرسة، كيف تنامون أنت وإخوتك في هذا المنزل الضيق؟ نحن لدينا منزل من دورين ونكاد نختنق؟". تجاهل سعود الإجابة عن سؤال يشبه الطعنة، لكنه لم ينسه، يعتبره أحد أهم الدوافع التي جعلته رجلا ناجحا. من الطبيعي أن توجعنا بعض الكلمات لكن يجب ألا ندعها تسقطنا، وإنما تجعلنا نبذل جهدا أكثر لنحقق نجاحات أكبر. يقول نجيب محفوظ: "لا أجيد رد الكلمة الجارحة بمثلها، فأنا لا أجيد السباحة في الوحل". الجروح لا تهزمك. فكم متنافس وملاكم سال دما وألما لكن توج في النهاية. الهزيمة تأتي من داخلك، عندما تستسلم وتفقد الأمل. امض، فكل جرح سيزيدك قوة وثقة، ولا تتخل عن أحلامك مهما قيل وصار. فالأحلام كلما تمسكت بها أكثر تأنقت وتألقت لك أكثر وأكثر. ضع هدفا لك وهو أن ترفع رأس اثنين في حياتك: أمك وأبيك. إذا فعلت ذلك فستجد نفسك تجاوزت كل جبال التحديات، وارتفعت كثيرا، أكثر مما تعتقد.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها