Author

أهمية العناية بأوقاف القطاع الصحي

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
النص : لا شك أن القطاع الصحي من أهم القطاعات الخدمية في المجتمع، وقد ظلت المملكة طيلة العقود الماضية تتولى أمر القطاع الصحي والعناية بالخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين بمختلف صورها، وقد تباينت مستويات الخدمات خلال الفترة الماضية بحسب الظروف الاقتصادية إلا أنها مع ذلك بقيت مسؤولية حكومية. مع التحولات التي ستشهدها المملكة خلال الفترة المقبلة بعد التوجه الحكومي فيما يتعلق بـ "رؤية المملكة 2030" والتوجه لخصخصة جزء من القطاع الصحي بما يخفف من ترهل قطاع الصحة وتضخم تكلفته على الميزانية الحكومية، حيث بدأت خطوات فعلية لتحقيق ذلك إلا أن القطاع الصحي مهما كانت الإجراءات التي يمكن أن تخفف من تكلفته سيبقى مصنفا بأنه من أكثر القطاعات إرهاقا لميزانيات الحكومات، والحكومة في المملكة ملتزمة برعاية هذا القطاع بما يوفر الخدمة بشكلها المجاني للمواطن مع العمل بأن يخفف من تكلفته على الميزانية، وهذا يستدعي العمل على تنويع موارد هذا القطاع بما يحقق التوازن بين مجانية الخدمة وتخفيف التكلفة على الميزانية الحكومية، وخلال الفترة الماضية كان هناك شيء من الاهتمام من قبل المتبرعين في القطاع الصحي وتركز هذا الاهتمام على توفير التجهيزات أو بناء المراكز الصحية أو أمور شبيهة بذلك، والتكلفة الأضخم في القطاع الصحي تتمثل في التشغيل، فتكلفة تشغيل السرير الواحد في المستشفى قد تزيد على المليون ريال سنويا، وهذه تعد التكلفة الأكبر على كاهل القطاع الصحي ولا تزال التكلفة التشغيلية للقطاع الصحي تتزايد، فرغم أهمية التبرعات التي تتمثل في أجهزة وبناء، إلا أنها ليست الصورة المثلى لتقديم الدعم للقطاع الصحي باحتياجاته المتعددة. ولذلك من المهم البدء والمبادرة في العناية بالأوقاف الخاصة في القطاع الصحي التي يمكن أن تتنوع مواردها من خلال مجموعة من الخيارات مثل التبرعات بمختلف صورها سواء العينية أو النقدية أو حتى بالجهد من قبل متطوعين يقدمون خدمات يذهب ريعها إلى هذه الأوقاف، خصوصا مع تنامي الوعي في المجتمع بأهمية وقيمة وأثر العمل التطوعي. من ميزات التركيز في التبرعات على الأوقاف الخاصة في القطاع الصحي مسألة التوازن في الإنفاق إذ إن بناء مركز صحي لا يعني بالضرورة تقديم الخدمات الصحية فيه إذ إن البناء الجزء الأسهل في المشروعات الصحية، والتكلفة الأكبر تكون في التشغيل ومن بعدها في التجهيزات، فجمع هذه الأموال في أوقاف يحقق التوازن في تقديم خدمات القطاع الصحي. من الميزات الخاصة بالأوقاف مسألة الاستدامة في استمرار الدعم، فقد ينفق المتبرع مليون ريال مثلا على جهاز معين لكن هذا الجهاز قد يتم تغييره بعد بضع سنوات، أو قد لا تتم الاستفادة الكاملة منه، بسبب عدم وجود الكفاءات لتشغيله أو لعدم وجود حاجة قصوى إليه، أو لوجود بدائل للمستفيد، لكن لو تم التبرع بهذا المبلغ للأوقاف المخصصة للقطاع الصحي فإنه سيتم توظيف هذا المبلغ بصورة أفضل من خلال تنميته باستثماره وبإنفاقه للجهات الأكثر حاجة، وتوظيفه بصورة أكثر كفاءة إذ إن قرار الاستفادة من هذا المال سيكون بيد الجهات العليا التي لديها قدرة على توظيف هذه الموارد بما يمكن من تقديم الخدمة بشكلها الكامل للمستفيد. إنشاء أوقاف للقطاع الصحي يكون جزءا من موارده الأموال التي يقدمها المتبرعون، وينبغي أن تكون فيها شيء من المرونة، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون للشخص المتبرع رغبات محددة مثل أن ينفق المال في مجالات علاج السرطان أو علاج مرضى السكري أو في مجالات أبحاث معينة، وهذا قد يشجع مجموعة من المتبرعين للتبرع بصورة أكبر، كما ينبغي أن تكون هذه الأوقاف أكثر شفافية، حيث يمكن لكل متبرع أن يتعرف على تفاصيل ما تم من إنجازات في هذا القطاع، كما أنه من المهم أن يكون لأوقاف القطاع الصحي سياسة لتنويع استثماراتها سواء في القطاع العقاري أو الأسهم أو في الأدوات المالية منخفضة المخاطر، وسياسة الاستثمار إذا ما تمت بكفاءة عالية يمكن أن تغطي جزءا لا بأس به من تكلفة القطاع الصحي. فالخلاصة أن إنشاء أوقاف للقطاع الصحي وتشجيع توجيه التبرعات إليها سيكون له أثر إيجابي في التوظيف الأمثل لهذه التبرعات، خصوصا مع وجود الصعوبات التي تتعلق بتشغيل الأجهزة والمباني للقطاع الصحي، كما أنها تعد واحدة من الخطوات المهمة لتنويع مصادر الدخل، ومثل هذا البرنامج يتطلب سياسة ومرونة في مسألة استقبال الأوقاف وتحديد مجالاتها، إضافة إلى شفافية عالية فيما يتعلق بإدارة هذه الأوقاف.
إنشرها