ثقافة وفنون

جلد الذات الثقافية بلا إحصائيات .. يعمّق الجراح

جلد الذات الثقافية بلا إحصائيات .. يعمّق الجراح

حينما حاولت "الاقتصادية" الوقوف على معدل قراءة السعوديين للكتب، وقفت أمام دراسة لا تزال تطرح نتائجها سنويا، وفيها لا يبارح العرب مكانهم منذ سنوات، كشفت أن الفرد العربي يقرأ ربع صفحة سنويا، فيما يقرأ الأمريكي 11 كتابا، دون أن تستدل "الاقتصادية" على معايير الدراسة، أو العثور على إحصائية رسمية تكشف ما يقرأه السعوديون وحدهم، وتفند مزاعم هذه الدراسات أو تصححها.

أرقام مفزعة
الحديث عن دراسة "ربع الصفحة" مفزع للمثقفين السعوديين، فهو يعطي مؤشرا بعدم جدوى ما يقومون به من دور توعوي وثقافي، وخصوصا أن الدراسة تجمع العرب على اختلاف ظروفهم المعيشية والتنموية في هذه الدراسة، وهو ما جعل العرب يتذيلون القوائم الرسمية.
والملاحظ في الدراسات الرسمية أن متوسط القراءة في تراجع عام تلو الآخر، فدراسة "ربع الصفحة" التي خلصت إليها لجنة تتابع شؤون النشر، التابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، سبقها دراسة أجريت عام 2003م، تضمنها تقرير التنمية البشرية الصادر عن منظمة "اليونسكو"، كشفت أن كل 80 عربيا يقرأون كتابا واحدا، بينما المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتابا في السنة، والمواطن "الإسرائيلي" يقرأ 40 كتابا.
معدل كارثي أيضا ذاك الذي كشف عنه تقرير التنمية البشرية لمؤسسة الفكر العربي عام 2011م، فقد أشار إلى أن معدل قراءة الفرد العربي ست دقائق سنويا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدل 200 ساعة سنويا، ليؤكد فجوة واسعة، ربما تكون ظالمة لبعض المجتمعات والشعوب.
لكن مؤشر القراءة والثقافة العامة العالمي يبشرنا بإحصائية ربما تبدو أكثر دقة من سابقاتها، حيث كشفت عن احتلال المملكة المرتبة العاشرة عالميا في معدل القراءة العالمي، إذ بلغ معدل قراءة الفرد 6:48 ساعة أسبوعيا، وهو رقم جيد، يماثل معدل القراءة في فرنسا والسويد وروسيا وهونج كونج، رغم تفوق هذه الدول في عدد المكتبات العامة، فالإحصائيات الرسمية تكشف عن وجود أقل من 100 مكتبة عامة في المملكة، فيما تتفوق روسيا بوجود 46 ألف مكتبة، وأمريكا تحتضن تسعة آلاف مكتبة، وإيطاليا سبعة آلاف، وفي ألمانيا ستة آلاف مكتبة عامة.

"دراسات محرجة"
دراسات كهذه أصبحت محرجة، وتفقد المجتمع ثقته بنفسه، أو حتى ثقته بمستقبله، فإدراج "المواطن العربي"، جامعا تحت لوائه ذاك المواطن الذي يعاني الأمرين في سورية، أو مواطنين يعيشون ظروف الحرب واللا استقرار في العراق واليمن، يجعل من نتائج الدراسة غير صحيحة، ولعل مما زاد من انتشارها والاستدلال بها في كل موقف هو عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة تؤكد أو تنفي هذه الأرقام.
الحقيقة تحتاج لأدوات إحصائية منهجية، تقوم عليها مجموعة بحثية من الأكاديميين والباحثين الممارسين، تحت مظلة رسمية كوزارة الثقافة والإعلام، أو حتى الهيئة العامة للثقافة التي تتجهز للانطلاق بقوة، كي نخرج بنتائج إحصائية دقيقة، تكشف ما إن كنا على المسار الصحيح أم لا.

شغف السعوديين بالقراءة
ووسط غياب الإحصائيات الرسمية، سواء من وزارة الثقافة والإعلام، أو أية دراسة أكاديمية، هناك دلائل ومؤشرات تكشف حب وشغف المجتمع السعودي بالقراءة، بالعودة إلى معرض الرياض الدولي للكتاب الذي انقضى قبل بضعة أشهر، فقد زاره أكثر من 400 ألف زائر خلال عشرة أيام فقط، بزيادة 8 في المائة على العام الذي سبقه، وضم المعرض 260 ألف عنوان ورقي، ونحو 900 ألف عنوان إلكتروني، ليكشف هذا المؤشر عن ازدياد حركة التأليف، ومدى الإقبال على القراءة، فيما بلغت مبيعاته نحو 72 مليون ريال، التي نمت بزيادة 20 في المائة على مبيعات المعرض لعام 2016م.
بدوره، عدد أندية القراءة، سواء تلك التي تنتمي للجامعات أو الأندية التي تأسست عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يكشف عن شغف كبير للقارئ السعودي، فكل يوم ينضم نادٍ جديد إلى القائمة، منها أندية تعتمد على تبادل الكتب المستعملة، وأخرى تعتمد على تلخيص الكتاب ووضع قائمة بأفضل الدروس المستفادة منه، وأخرى على تبادل عناوين الكتب التي أثرت في حياة القراءة، ونادٍ آخر يعتمد على الكتب المسموعة التي يسجلها متطوعون، وغيرها الكثير من الأفكار الشبابية، التي تحتاج لإحصاء رسمي يكشف عن أعدادها، وتسليط الضوء على إنجازاتها وأعداد المستفيدين منها.

إحصائيات مفقودة
نحتاج لإحصائيات تكشف لنا كم كتابا ينتجه السعوديون سنويا، وكم كتابا تتم ترجمته إلى العربية، وكم كتابا سعوديا يترجم عالميا، وعدد أندية القراءة، وعدد المستفيدين من المكتبات العامة، وعناوين الكتب المتوافرة في كل مكتبة، وعدد النسخ المطبوعة سنويا، والمجالات التي يحرص المؤلفون على الكتابة فيها، وكذلك المجالات الأكثر اهتماما من قبل القارئ، والطرق التي يحصل فيها السعوديون على الكتب، وعدد الكتب الموجودة في كل منزل، ومعدل ما يقرأه السعوديون وغيرهم من المقيمين الذين يعيشون في المملكة، وما يقرأه الطفل، وإحصائيات أخرى حول القارئ بحسب الجنس، وربط هذه الإحصائيات بشبيهاتها العالمية بطريقة النسبة والتناسب.
يضاف إلى هذه الإحصائيات، إحصائيات أخرى حول عدد الفعاليات الثقافية المقامة سنويا، ودراسات حول ما ينفقه الفرد على الثقافة والتعليم سنويا، والوقت الذي يقضيه الأفراد في الممارسات الثقافية (تتضمن القراءة والتأليف، وزيارة الآثار والمتاحف والمعارض الفنية، والنقاشات الثقافية، وحضور المهرجانات الثقافية وغيرها)، وعدد المواقع الثقافية والأثرية والمباني التاريخية، وتوزيع التراث المادي بحسب المناطق، وعدد المتاحف الخاصة والعامة، وعدد مشاركات المملكة في معارض الكتاب السنوية، وإحصائيات ثقافية أخرى تثبت للعالم وجود مجتمع معرفي على هذه الأرض. حينما نمتلك هذه الأرقام يمكننا البناء عليها ومعالجة المشكلة إن وجدت.
(وكل شيء أحصيناه كتابا).. هذه الآية تكشف لنا مدى أهمية الإحصائيات ووجودها لقياس ما يمكنه إنجازه وتطويره، وباستثمار هذه الإحصائيات يمكن أن نكشف عن مكانتنا الثقافية الحالية، التي نتطلع إلى أن تحتل موقعا عالميا، بما يمثل قيمة المملكة الحضارية العالمية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون