Author

جلساء المهنة .. لك لا عليك

|

نعرف جيدا حديث حامل المسك ونافخ الكير، وهو من موجز القول وبلاغة التمثيل في تحسين نتائج المصاحبة والصداقة. ومثل ذلك تماما حالة العلاقات المهنية، قل لي من تجالس في سياق عملك أقل لك من أنت مهنيا. لا توجد استثناءات هنا، لازم المتواضعين مهنيا وجالس الكسالى، تصبح مثلهم، أو على أقل تقدير يلحقك بعض ما عندهم.
التحدي الأكبر الذي نعيشه هو أن معظمنا يعيش مهنيا بالقرب من نافخ الكير، الذي قد يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة. ولن نستطيع الخروج من هذا الوضع إلا بالملازمة المهنية لحامل المسك. فأين نجد حامل المسك المهني؟ أو كما يقول عليه الصلاة والسلام "الجليس الصالح" الذي "إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة".
ثلاث دوائر نختلط فيها بمن يؤثرون فينا مهنيا، أو الذين سأطلق عليهم: جلساء المهنة، ومن يقوم مقامهم. تغيير الحالة الراهنة وتحسين المصاحَبة المهنية وما تترتب عليه من انعكاسات إيجابية قائم على معرفة وضع الدوائر الخاصة بنا، كيف نتفاعل معها، ومن يحيط بتحركاتنا ومصائرنا.
أولى الدوائر المهنية هي دائرة الأسرة والأصدقاء. على الرغم من أن أحاديثهم قد تكون لفترات مطولة بعيدة كل البعد عن المستقبل المهني وشجونه، إلا أن لها تأثير مباشر ومهم. أحد أبسط الأمثلة، عندما يعود الموظف الشاب إلى المنزل ويصل بعد وقت وجبة الغداء أو جلسة القهوة، ثم يسمع من يقول له إنهم يستغلونه في مكان عمله ولا يتركون له حيزا من الوقت للجلوس مع أسرته. هذا مؤثر سلبي في تفاعل الشاب المهني مع جهة عمله. ومثله الذي يعتاد خلال فترة معينة على قضاء ساعات يومية مع أصدقائه ثم يضطر إلى إيقاف ذلك، لرغبته في بذل المزيد مهنيا. سيواجه كثيرا من الضغوط، سيقولون له "أنت متكبر" أو ربما "طموحاتك زادت شوي". وهكذا، هناك فرق كبير بين أصدقاء يشاركونك همك المهني - ولو اختلفت تخصصاتهم وخلفياتهم التعليمية عنك بشكل جذري - وبين أصدقاء لا يفهمون فكر التطوير المهني ومدى علاقة ذلك بتحقيق الأهداف وتحسين أسلوب المعيشة والحياة. لذا تجدهم يستغربون ويستنكرون مجهوداتك، يتندرون عليها، ولا يولونها بالا واهتماما. من الواجب هنا، أن نبحث عمن يقوم بالعكس، لا يستغرب بل يشجع ويحفز، لا يستنكر بل يدعم ويهتم.
ثانية الدوائر، ما يخص زملاء العمل داخل العمل، وهنا لا أقصد أصدقاء العمل الذين تقابلهم خارج الدوام، فهؤلاء أصبحوا من المقربين وارتقوا رسميا للدائرة الأولى. سواء كان تواصلك داخل العمل كثيفا في ركن المدخنين أو خفيفا في الممرات، أو حتى منقطعا بالكلية وكنت وحدانيا صامتا، إلا أن له دورا محوريا في تحديد مستويات الطموح التي تصنعها وربما تحدد كذلك قدرتك على تجاوز التحديات داخل مقر عملك، ورسمك حدود الممكن والمستحيل. كم من شاب تراجع عن مطالبه بترقية أو دورة تحسن مساره، لأنهم ردوا فلانا، أو لأن آخر قال له "اصبر شوي". وآخر افترض أن الإدارة لن تدعمه، لأنها لم تدعم الفوضويين الذين يسمع منهم كل يوم! من الجيد الاستفادة من تجارب الآخرين، إلا أن تجارب الذين يكررون الفشل ولا يتعلمون منه لن تصلح الكثير.
الدائرة الأخيرة والأهم هي دائرة العلاقات المهنية، حيث الاختيارية والمرونة والرغبة. معظم الشباب لا يملك أي عناصر في هذه الدائرة المهمة. لا تواصل مع زملاء المهنة، ولا معرفة بأخبارها، ولا عضويات مهنية، ولا ورش عمل أو نقاشات مهنية فنية، ولا ملازمة للمختصين ولا مقابلات مع المرشدين المهنيين. تجده يتمنى الارتقاء لمستويات عليا مع الاعتماد على نطاقات دنيا لا تسمن ولا تغني، إذ إن نشاطه في دائرة الانطلاق المهني عبارة عن دور معطل لا قيمة له. وصدق شوقي "وما نيل المطالب بالتمني" فالأمر يتطلب تخطيطا وعملا وهمة.

إنشرها