Author

نحو مؤسسة لرعاية عائلات المصابين في حوادث الطرق

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
يعاني المجتمع بشكل خطير جراء حوادث الطرق ولا جديد في هذا، لكن من المفاجئ لي جدا أن تأتي إحصائيات حوادث الطرق لعام 2016 دون حدوث تغير جوهري في اتجاه تقليص عدد الحوادث وضحاياها، بل على العكس تماما جاءت الإحصائية بزيادة غير متوقعة. وعندما أقول إنها مفاجئة فهذا لأن الدولة منذ سنوات وهي تطبق نظام "ساهر" لرصد السرعة وقطع الإشارة ومع ذلك فلم تتحسن الحال. القضية الأساسية ـــ في نظري ـــ أنه لا أحد يريد الاعتراف بأن ثلثي احتمالات حوادث الطرق تقع خارج مسؤولية السائقين، فالحادث يقع بسبب المركبة أو بسبب الطريق أو السائق، وإذا أخذنا بمبدأ الاحتمالات فإن السائق مفردا يأتي كأقل الاحتمالات لسبب الحادث، فالحادث بسبب السائق فقط هو احتمال من بين 3 احتمالات، أو 3 (إذا قلنا إن السائق مع المركبة أو السائق مع الطريق) من بين ستة احتمالات، على أن الطريق والمركبة معا يشكلان اثنين من ثلاثة احتمالات أو خمسة من ستة احتمالات، ومع ذلك فإن اللوم والمسؤولية والتكلفة يتحملها السائق فقط وعائلته المظلومة دوما. كم من حادث كان سببه الطريق، من حيث لم تتم مراعاة تخطيط المسارات بشكل واضح، أو لم يهتم المهندس الذي صممه بالمنعطفات أو الشركة التي نفذت المنحدرات، وذلك كله من أجل تقليص التكلفة ويتم تعريض حياة السائقين وعائلاتهم لخطر داهم على أساس أن إشارة تحذيرية تكفي بالمنحدر الشديد أو المنعطف الخطير أو تقاطع الطرق المفاجئ والعجيب، طرق لا توجد فيها حواجز تمنع دخول الحيوانات السائبة ويتحمل السائق وحده مخاطر السير فيها ليلا وعلى عائلته تحمل تكاليف علاجه وخدمته وفقرها إذا كان هو رب الأسرة، كم من حادث أليم سببه محطة الخدمات البترولية التي سكنت بقرب الطريق البري بلا أية مسارات إضافية للدخول إليها أو الخروج منها، وفي ليل بهيم يتحمل السائق وحده مخاطر دخول سيارة للطريق ولم تعكس جوانبها أي إضاءة، وكم من هذا وقس عليه تتحمل الأسر وحدها كل تكاليف وأعباء المصيبة دون معين أو معيل ونلقي باللوم على السائق بكل بساطة. وإذا تركنا الطريق وشأنه فإن شركات صناعة السيارات لا تتحمل وزر صناعة سيارة تفاجئك بانحرافها بلا سبب، أو تعطلها بلا معنى أو توقف كوابحها في لحظات صعبة. لماذا نجد في طرقاتنا السيارة تنطلق بسرعات عالية لا تقابلها جودة في التصنيع والهيكل والسلامة تتناسب مع السرعة المرتفعة التي فيها، ثم نلقي باللائمة على السائق الذي فقد السيطرة على سيارة رفضت أن تستجيب له، وبينما أخذت الشركة الصانعة كل حقوقها وأرباحها تعطيه بدل الراحة والأمان ألما وحسرة تلازمه وعائلته أبد الدهر. ولأن وكالات السيارات لا تعترف بالأخطاء ولا يوجد من يلزمها لتعترف بهذه الأخطاء فإننا نقول كلما تعطلت سيارة جديدة وتعرضت لحادث إنها عين حاسد، وقد يعلم الله أنها ليست عين حاسد بل وكالة وشركة صانعة نهبت البلاد والعباد ولا تريد أن تقوم بواجبها من تحمل أعباء أخطاء صناعة هذه الآلات الصماء. وفي أحيان كثيرة يكون السبب مركبا من سيارة صماء تتعطل فجأة أو تنحرف عن مسارها بلا سبب أو تعليق مثبت السرعة وطريق صممت للموت، ومع ذلك يسلم من وزر الحادث كل من تسبب فيه وتتحمل عائلة المصابين أوزارا فوقها أوزار، ولم يلزم معين أو نظام أحدا بالعون. لقد تقدم محمد العقلا وهو أحد أعضاء مجلس الشورى بمقترح لم يجد حظه من دعم أعضاء المجلس، حيث طالب بإنشاء مؤسسة حكومية تمولها جميع شركات السيارات ووكلاء السيارات وشركات التأمين حتى وزارة النقل والشركات التي تعمل في مقاولات الطرق من أجل الرعاية والاهتمام بمصابي الطرق وعائلاتهم، ونخص العائلات التي فقدت عائلها في حوادث ومنهم قصر وصغار. لا يمكن أن يكون سبب الحوادث التي نشهدها وتصاب بأوزارها عائلات وأسر هم السائقين فقط، ولهذا فإنه يتحتم علينا شرعا وعقلا أن نجبر من تسبب في الحادث على المساهمة في دفع التعويضات وليس بالضرورة أن تكون تلك التعويضات نقدية مباشرة لأيدي المتضررين، بل من خلال مؤسسة عامة ترعى هذه التعويضات وتعمل على تنميتها ومن ثم رعاية الأسر المتضررة، وأيضا تعمل على البحث عن أسباب الحوادث المتكررة في منطقة أو علامة تجارية معنية وفحص الأسباب وتحميل المتسببين بدفع نصيب أعلى من غيرهم إذا تبين للمؤسسة أن الصناعة سواء في الطريق أو في المركبة أسهمت في الحادث. وفي هذا لسنا بدعا من البشر، فهذا الأمر معمول به في دول عديدة منها اليابان، وغيرها من الدول ولديهم تجربة ثرية يمكننا دراستها وفهمها، وأيضا هناك قصص وحالات في دول عالمية أخرى ومن بينها الولايات المتحدة التي أثبتت أكثر من مرة أن المركبة كانت السبب في الحادث وتم تعويض الأسر بمبالغ مستحقة، فلماذا لا تتم دراسة هذا الموضوع بجدية أكبر خاصة أن آثاره ستكون إيجابية من نواح عدة؟ لعل أولها هو تحفيز الشركات الصانعة على التأكد من معايير السلامة في السيارات التي تباع في المملكة، وثانيها هو قيام وزارة النقل والشركات التي تنفذ مشاريعها بزيادة الاهتمام بسلامة الطريق وعدم تغليب مسألة التكلفة على السلامة مهما بدت التكاليف ضخمة، لأن عدم إصلاح الطريق وضمان سلامته لتوفير التكلفة يعني دفع مبالغ أكبر لمؤسسة الرعاية إذا ثبت أن الطريق أسهم في الحادث.
إنشرها