Author

الاتفاقيات التي تصنع المستقبل

|
كل بند من بنود الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها المملكة مع الولايات المتحدة، وكل معيار وهدف تصب في الاستراتيجية الشاملة للسعودية التي تتجسد في "رؤية المملكة 2030"، وبرنامج التحول المصاحب لها. وعلى هذه الأساس، هي اتفاقيات تنموية تسهم مباشرة في بناء الاقتصاد الوطني الجديد الذي تستهدفه المملكة، وتقوم بتشييده بوتيرة قوية ومتسارعة، إلى درجة أن تحقق بعض الأهداف في المسيرة التنموية حتى قبل موعدها المحدد لها. الأمر نفسه ينطبق في الواقع على كل الاتفاقيات التي وقعتها المملكة مع بلدان أخرى، وتلك التي ستوقعها في المرحلة المقبلة. بمعنى، أن أي اتفاق يتم هو في الواقع سند جديد، ومشاركة عملية في العملية الاستراتيجية الكبرى، في أجواء مليئة باهتمام العالم، ولا سيما المؤثرة، في هذه المسيرة التنموية التاريخية، بما في ذلك رغبة جهات متزايدة يوما بعد يوم، في أن يكون لها دور حيوي فيها. وتكتسب الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأهمية الأكبر في هذا الشأن، نظرا لأبعادها التاريخية والسياسية والعسكرية. يضاف إلى ذلك، أنها جددت بصورة تحاكي مستقبل العلاقة المتأصلة بين الرياض وواشنطن، تلك العلاقة التي شهدت تراخيا مستفزا في عهد الإدارة الأمريكية السابقة، وهذا التراخي انسحب في الواقع على علاقات واشنطن بكل عواصم العالم تقريبا في الحقبة المشار إليها. ومن هنا يمكن فهم بوضوح ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مباشرة، عندما أشار إلى أن ما تركته إدارة باراك أوباما على العلاقات مع المملكة وغيرها انتهى إلى الأبد. يعني أن عملية التصحيح الحتمية تمت في الواقع في أسرع وقت، لا يتجاوز 100 يوم. ما يعكس الانزعاج الأمريكي نفسه من سياسات أوباما الانعزالية والمضطربة. الاتفاقيات السعودية - الأمريكية شملت معظم القطاعات المطروحة، بما في ذلك جوانب التصنيع العسكري والطاقة والتكنولوجيا والتصنيع والطيران والتطوير والتأهيل وغير ذلك. ولعل من أهم مزايا هذه الاتفاقيات انعكاساتها الإيجابية المباشرة على سوق العمل المحلية في المملكة، من تدريب وتأهيل وتطوير القدرات الكامنة. أي أن الإنفاق ضمن هذه الاتفاقيات يولد عوائد تمثل أعلى قيمة، وهي بالتحديد تلك الخاصة بالمصادر البشرية. يضاف إلى ذلك، أنها ستوفر إلى جانب كل ما سبق فرص عمل لشرائح مختلفة من السعوديين في فترة زمنية قصيرة. دون أن ننسى بالطبع، أن هذا سيعزز المحتوى المحلي الخاص بتطوير القطاعات الخدمية والصناعية وغيرها. وفوق هذا وذاك، فإن الاتفاقيات الهائلة التي تمت بين المملكة والولايات المتحدة، ستشمل بقوة قطاع البنى التحتية، التي تمثل أساسا من أسس "رؤية المملكة 2030". في الواقع هذه الاتفاقيات ليست مثل تلك التي تتم بين طرفين، بل أسست لشراكة كبرى بين بلدين محوريين في علاقتهما وفي دورهما أيضا على الساحة العالمية. وبقدر ما تتنوع هذه الاتفاقيات بقدر ما تزداد الشراكة قوة واستدامة، كما أنها قابلة بصورة مرنة للتطوير الآني في مرحلة الحراك. ومن أهم المؤشرات على محورية هذه الاتفاقيات، أنها وجدت حاضنة مثالية طبيعية لها في "رؤية المملكة 2030"، ما يرفع من معدلات جودتها وعوائدها وانعكاساتها ونتائجها، إلى جانب استدامتها، بصرف النظر عن هوية الإدارة الأمريكية في المستقبل. لقد أثبتت الاتفاقيات والتفاهمات والمواقف السعودية - الأمريكية، أن العلاقة بين الطرفين أكبر بكثير من النفط. وأظهر الاندفاع الكبير للمؤسسات والشركات الأمريكية لدخول السوق السعودية، أن المسألة برمتها تقوم على أسس عملية وواقعية، مستندة إلى مكانة السعودية الاقتصادية، التي اعترفت المؤسسات العالمية بقوتها، حتى بعد انهيار أسعار النفط إلى مستويات تاريخية كما هو حاصل الآن على الساحة. كل شيء في العلاقة السعودية - الأمريكية مرتبط ببعضه بعضا. فالتنمية والبناء والتطوير مصحوبة بتعاون تاريخي أيضا على صعيد مكافحة الإرهاب والعمل المشترك لحل المشكلات الراهنة في المنطقة العربية ككل. إنها مرحلة تحول حقيقية نحو عالم سيختلف تماما عما هو عليه الآن.
إنشرها