Author

لماذا نجح ترمب الرأسمالي فيما أخفق فيه أوباما السياسي؟

|
كان من المقرر أن أكمل موضوع تمزيق الكتب الذي قامت به مجموعة من طلاب مدرسة أبو بكر الرازي بمنطقة تبوك حينما قاموا بامتهان الكتب والدفاتر المدرسية، بعد نهاية يومهم الدراسي في الشارع المجاور للمدرسة. إلا أن اللقاء التاريخي الذي استضافته بلادنا مطلع هذا الأسبوع حتم عليّ أن أتوقف لأتحدث عن هذا الحدث العظيم وأذكّر القراء الكرام بما سبق وسطرته من قبل في عدة مقالات سابقة بجدارة ترمب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية إبان احتدام الصراع على كرسي الرئاسة الأمريكية بينه وبين كلينتون وتنبأت بأنه لو كتب له الفوز فسينجح فيما أخفق فيه أوباما. فترمب ليس بالشخصية العادية فالرجل يمتلك قائمة طويلة من الإنجازات قد لا يعرفها الكثيرون ولا يمكن أن ينظر إليه على أنه رجل أعمال موهوب فهو إضافة إلى ذلك مقدم برامج شهير ومؤلف متألق فقد كتب مجموعة من أكثر الكتب مبيعا. وهو معروف حول العالم كأحد أكثر الأشخاص إلهاما لمن يحلمون بالنجاح, واستطاع أن يبني لنفسه اسما لا نظير له حتى يومنا. وبعد أن أصبح ترمب الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية رغم تظاهره بالحماقة والتهور والطعن في حلفائه وأصدقائه إلا أنني ذكرت قبل أن يتسلم مقاليد الأمور في البيت الأبيض أنه أجدر بالرئاسة من كثير من الساسة ومنهم أوباما الذي قطع أواصر العلاقات الدولية بينه وبين حلفائه وأصدقائه وأجدر من كلينتون تلك العجوز الاستعراضية التي لا تجيد سوى الأزياء والحديث الذي نتمناه أنها خرجت من السياسة دون رجعة حتى لا تكون قدوة لغيرها ومدرسة يحتذى بها. وسوف أذيّل مقالي هذا بإعادة عرض الأسباب الجوهرية التي بنيت عليها توقعاتي بجدارة ترمب برئاسة الدولة العظمى. ذكرت أن أول هذه الأسباب يتمثل في أن المرحلة الحالية التي يعيشها العالم تحتاج إلى قوة أكثر من قبل فأوباما أضر بأمريكا وبالعالم أكثر مما أفادهما. وعندما تضعف أو تنهار دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية فإن هذا سيتبعه انهيار كل من يدور في فلكها من حلفاء ودول نامية وأقليات بل سيمتد أثره إلى الاقتصاد العالمي برمته. أمريكا في عهد أوباما تخلت عن دورها الجوهري في كثير من المناطق الملتهبة في العالم كرها لا طوعا ما اضطر حلفاءها إلى الاستغناء عنها فأصبحوا يواجهون مصيرهم بأنفسهم ويحلون مشاكلهم دون حليفهم التقليدي وإن تعذر عليهم فقد يلجأون إلى التكتلات الاقتصادية والعسكرية من أجل المحافظة على أمن بلادهم، وتنمية اقتصاداتهم، ورفاهية شعوبهم لأن حليفتهم التقليدية "الولايات المتحدة الأمريكية" في عهد أوباما انكفأت على نفسها وأصبحت تأخذ دور المراقب عن بعد ولم يعد لها من مهام سوى أنها تحيك المؤامرات وتشحن العداوات كشيخ ضرير محطم الأعصاب مشدود الضمير. والسبب الثاني لجدارة ترمب الذي سبق أن ذكرته قبل فوزه على منافسته كلينتون أن الدول بشكل عام ــ وليست الولايات المتحدة الأمريكية فقط ــ تحتاج إلى قادة لا يحملون الفكر السياسي فحسب بل فكرا رأسماليا حقيقيا بمعنى رجال يعرفون كيف يقودون الدول بعقلية المال لأن المال قوة لا يقل عن القوة العسكرية والقوة السياسية. لقد ذكرت أن المرحلة الحالية التي تمر بها أمريكا والعالم بأسره تحتاج إلى أهل المال ومن ينظر إلى المال على أنه قوة ومن يعرف خباياه وأسراره. لقد ذكرت قبل أن تتضح شخصية ترمب الحقيقية أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى قوة تعيد للعالم توازنه ولا نقصد بالقوة الحروب فلا أظن "أمريكا" قادرة في المستقبل المنظور على الدخول في حروب لأن دخولها حربين متتابعين "أفغانستان والعراق" أرهق ميزانيتها ودمر جيوشها. المرحلة التي يعيشها العالم تريد فكرا رأسماليا أكثر من سياسي فالسياسة بمعناها التقليدي لا تكفي منفردة دون قوة المال والاقتصاد لأن هذه الأخيرة تحضر الخصوم إلى دائرة التفاوض وتخضع العدو اللدود وتجبر المتكبر العنيد. وترمب رغم تواضعه سياسيا إلا أن قدرته كرأسمالي قد تعيد الهيبة لأمريكا ومن يسير في ركبها. وعندما نقصد بالرجل الرأسمالي لا نعني الأناني ذلك النمط الذي يسعى لتحقيق الذات وتسخير مقدرات الدولة لمصالحه وطموحاته على حساب الأفراد والجماعات كما فعل جورج بوش الابن بل نقصد رأسماليا حقيقيا يحمل فكر تنمية الأموال وينقل ذلك الفكر لمعاونيه وشعبه وينظر إلى المال كقوة داعمة للقوة العسكرية. فالمتتبع لكثير من القضايا والأزمات التي يعيشها العالم ومنها قضايا الدول المتقدمة سببها قادة سياسيون ينقصهم فهم قوانين الاقتصاد والمال وليس لهم نظرة فاحصة في طريقة إدارة الأموال والمحافظة عليها وتنميتها. والأمم عادة تريد ساسة وفي الوقت نفسه اقتصاديين يجمعون ما بين إدارة الدولة والدبلوماسية والعلاقات الدولية وفي الوقت نفسه يحملون فكر الربح والخسارة والفائض والعجز ومصادر الحصول على الأموال. وهذه جميعها حاضرة في شخصية ترمب.
إنشرها