أخبار اقتصادية- عالمية

الاتفاقيات السعودية - الأمريكية .. جسر يربط «رؤية 2030» بالعالم

الاتفاقيات السعودية - الأمريكية .. جسر يربط «رؤية 2030» بالعالم

لا تزال أصداء الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى السعودية قبل بضعة أيام، وتوقيعه لمجموعة ضخمة من الاتفاقيات الاقتصادية المهمة، حديث الخبراء ووسائل الإعلام في عديد من البلدان الأوروبية وفي مقدمتها المملكة المتحدة. فالإعلام البريطاني حتى اليوم، ورغم التحديات الجسام التي تواجهها لندن وآخرها التفجير الانتحاري في مانشستر يواصل البحث في المدلول الاقتصادي لتلك الاتفاقيات، وتداعياتها المستقبلية على موازين القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط، وإلى أي مدى يمكن لها أن تسهم في تغيير المشهد الاقتصادي في الداخل السعودي وفي المنطقة العربية، وما هي الآليات التي ستسهم عبرها في إعادة تشكيل وصياغة الواقع الاقتصادي الراهن في البلدان العربية، وسط تساؤلات حول الآفاق، التي تفتحها تلك الاتفاقيات، لخلق وتشييد علاقات نوعية جديدة تطول علاقة السعودية ماليا وتجاريا مع العالم الخارجي.
"الاقتصادية" رصدت مسار قراءة الإعلام للاتفاقيات السعودية الأمريكية، وسعت للاطلاع على آراء مجموعة من الخبراء والمختصين الغربيين لمعرفة تقييمهم لمدلول تلك الاتفاقيات وتداعياتها القادمة.
ويعتقد الخبير الاستثماري والتر كون أن مجموعة الاتفاقيات الموقعة بين الرياض وواشنطن، تدشن بداية لمرحلة اقتصادية جديدة تماما، تتجاوز تطوير القطاعات الحيوية ذات الطابع الاستراتيجي في الاقتصاد السعودي، بل وتتجاوز من وجهة نظره اقتصادات الشرق الأوسط ككل، لتصبح المحور الأهم في الاقتصادات الناشئة خلال السنوات المقبلة.
وأضاف والتر كون، أن الرياض كانت حريصة للغاية على أن تكون الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الأمريكي، ذات طابع استراتيجي بعيد المدى، يضع البنية الأساسية لتفكيك الارتباط القائم بين الاقتصاد السعودي والنفط، وهو أحد أحجار الزاوية في رؤية 2030، مع ربط اقتصاد المملكة في الوقت ذاته بدرجة أعلى من التنوع الاقتصادي، ولا شك أن تلك القفزة كانت تتطلب في الأساس أن تتم عملية التحديث بشكل شامل وملموس لقطاع البنية التحتية.
وأشار والتر كون إلى أن توقيع شركة "بلاكستون" للاستثمار المباشر وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية مذكرة تفاهم لتدشين آلية استثمار في البينة التحتية بقيمة 40 مليار دولار، وبمساهمة أولية من قبل الصندوق بقيمة 20 مليار دولار، على أن تجمع المبالغ المتبقية من مستثمرين آخرين، نجحت في ضرب عدد من العصافير بحجر واحد.
ويعتقد والتر كون، أن تلك الاتفاقيات، التي ستتضمن بطبيعة الحال استخدام أحدث الأساليب التكنولوجية في تطوير البنية الأساسية، ستسهم في ضمان تحقيق الشرط الأول للانطلاق الاقتصادي وجذب الاستثمارات الخارجية ألا وهو توفر بنية تحتية قادرة على استيعاب عملية التغيير الاقتصادي المقبلة.
وذكر والتر كون أن عملية توسيع وتطوير البنية الأساسية، تحتوي من ضمن مكوناتها، على خطوات عملية لوضع اللبنات الأولى التي ستسهم مستقبلا في تطوير عديد من المدن الذكية، القادرة على وضع المملكة على الخريطة الدولية للمجتمعات الأكثر جذبا للاستثمارات في العالم، وتحديدا في القطاعات التكنولوجية، ونصف المبلغ الإجمالي للاستثمار في تطوير البنية التحتية سيأتي من مستثمرين آخرين، وهو ما يعني مساهمة قوية وضخمة من القطاع الخاص السعودي، ويتفق هذا تماما مع رؤية المملكة بضرورة قيام القطاع الخاص بلعب دور محوري في التنمية السعودية في الفترة المقبلة.
ومن جهتها، ترى الدكتورة ماجي آندرسون أستاذة الاقتصاد الكلي أن الاتفاقيات الموقعة، التي تبلغ قيمتها نحو 400 مليار دولار تمثل الجسر الذي يربط بين رؤية المملكة للقيام بعملية تحديث شامل للهيكل الاقتصادي الوطني بصفته مركزا إنتاجيا في المرحلة المقبلة، والعالم الخارجي باعتباره السوق الأكبر الذي سيمد المملكة باحتياجاتها التكنولوجية اللازمة لإتمام عملية التحديث، وأيضا لاستيعاب القدرات المقبلة للاقتصاد السعودي والتي ستتجاوز القطاع النفطي بالتأكيد.
وتضيف آندرسون: "بالنظر إلى تفاصيل الرؤية الاستراتيجية للمملكة، سنجد أن عملية التحديث لديه لا تنطلق من الصفر أو من فراغ، وإنما تعمل على بناء التراكم المحقق في الاقتصاد السعودي خلال النصف قرن الماضي، ولكنه بناء يأخذ في الاعتبار المستجدات الحديثة، وما تتطلبه من خفض الاعتماد على النفط، وتعزيز دور قطاعات أخرى في الاقتصاد السعودي". وتشير آندرسون إلى أن تلك الرؤية لم يكن لها أن تنجح دون مساهمة حقيقية من قبل اللاعبين الأساسين في الاقتصاد العالمي، ولذلك نلاحظ أن السعودية تشهد قفزات غير مسبوقة في تنويع العلاقات الدولية ونقلها إلى مرحلة نوعية جديدة، وهذا ما حدث مع الصين واليابان وبلدان جنوب شرق آسيا، والآن يكتمل المشهد بتعزيز الروابط الاقتصادية مع واشنطن، لتأسيس جسر قوي يربط بين عوامل التميز النسبي في الاقتصاد السعودي، وأعني هنا مجالات كالنفط والغاز والبتروكيماويات والتعدين والرعاية الصحية، وبين الاقتصاد الأمريكي باعتباره الاقتصاد الرائد عالميا، وبذلك تنجح تلك الاتفاقيات في وضع شراكة استراتيجية بين الاقتصادين السعودي والأمريكي على الأمد الطويل، وهو ما يمكّن السعودية من تحقيق مكاسب دائمة مستقبلا.
الدكتور جون ويسكر أستاذ التنمية الدولية يعتقد أن الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الأمريكي، وعلى الرغم من أنها ترمي إلى تعزيز وضع الاقتصاد السعودي في المدى الطويل، وبما يصب في خدمة رؤية المملكة للتطوير الشامل، إلا أنها تأتي في إطار استراتيجية سعودية أشمل لا تمثل فيها تلك الاتفاقيات، وعلى الرغم من محوريتها، إلا أنه جزء من منظومة سعودية متكاملة، ضمن سلسلة من الجسور التي تربط الاقتصاد السعودي في المرحلة المقبلة مع العالم الخارجي. ويقول ويسكر "علينا أن نتذكر دائما أن جوهر الرؤية السعودية هي الارتفاع بمستوى معيشة المواطن، وهذا هو حجر الأساس في تلك الرؤية، لكن هذا الحجر لا يمكن تثبيته دون إحداث تحول في مفردات البناء الاقتصادي السعودي، ودعم تلك المفردات بشبكة مركبة من العلاقات الاقتصادية والمالية مع العالم الخارجي، وهذا تحديدا ما تم خلال زيارة ترمب للمملكة".
وأشار ويسكر إلى أن ما يمكن وصفه بجسر العلاقات الاقتصادية السعودية الأمريكية الذي تم بناؤه من خلال سلسلة الاتفاقيات الموقعة، يحقق عددا من النقاط بعيدة المدى بالنسبة للرياض، تتجاوز بكثير المصالح الآنية المحققة من تلك الاتفاقيات والفوائد التي ستجنى في القريب العاجل. ويستدرك قائلا "على سبيل المثال من الواضح جدا أن السعودية ستصبح خلال السنوات القادمة أحد أقطاب الصناعات العسكرية الصغيرة والمتوسطة على المستوى الدولي، فالاتفاق الموقع مع شركة لوكهيد مارتن لدعم برنامج تجميع طائرات الهليكوبتر بقيمة ستة مليارات دولار، سيمنح السعودية كوادر استثنائية في مجال الصناعات العسكرية، كما أن الاتفاق الموقع مع شركة رايثيون لإنشاء فرع في السعودية لبناء قدرات محلية في الدفاع وصناعة الطيران والأمن، والإقرار صراحة في الاتفاق مع جنرال دايناميكس بتوطين التصميم وهندسة وتصنيع ودعم المركبات القتالية المدرعة، يمثل استجابة أمريكية لرؤية المملكة بتوطين 50 في المائة من الإنفاق الحكومي العسكري في السعودية بحلول عام 2030، ومن ثم إحداث طفرة مستقبلية في هذا القطاع الاستراتيجي في الاقتصاد السعودي".
ويضيف ويسكر "ولا يقل أهمية عن ذلك أيضا أن العالم الخارجي سواء تمثل ذلك العالم الخارجي في البلدان الرأسمالية عالية التطور في الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا في حالة خروجها من الاتحاد، أو في المؤسسات المالية الدولية ستدرك جميعا أن الاتفاقيات السعودية الأمريكية تمثل تدشينا لمرحلة اقتصادية جديدة في المملكة، أكثر استقرارا وأعلى نموا، وهذا يدفع تلقائيا إلى محاولة تلك البلدان أو المؤسسات الحصول على امتيازات تمكنها من الولوج للاقتصاد السعودي استثماريا أو بتعزيز الروابط التجارية، وهو ما سيمكن الحكومة السعودية من فرض شروطها لتحقيق معدلات ربحية أعلى للمجتمع السعودي، بما يصب في نهاية المطاف في مصلحة مستويات المعيشة في المملكة بصفة عامة، وللأجيال الشابة على وجه الخصوص، لتفلح الرياض بذلك في تحقيق جوهر رؤية المملكة للنهوض الشامل".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية