سمنة المدن .. منافع ومضار
|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
ما العوامل التي تساعد على توسع المدن، أي تجعلها تزداد سمنة مع الوقت؟ وسؤال عكسي. ما العوامل التي تساعد أو تعمل على الحد من توسع أو سمنة المدن؟
يلاحظ أن بعض المدن تنمو وتسمن كثيرا مع مرور السنين. ويلاحظ في المدن الكبيرة خاصة كثرة تجمع أصحاب نشاط أو صنعة في شارع أو جهة من حي من الأحياء.
هناك أنواع من التجمعات، ربما أشهرها التجمعات الحضرية "المدن" والتجمعات الصناعية "المدن الصناعية". ولنركز على الأول.
طبعا يجني الناس منافع من تجمعهم الحضري. سينتفعون من بنية تحتية مشتركة وتوافر فرص عمل وأسواق أكثر تنافسية وعددا وتوافر مقاعد وتخصصات جامعية أكثر. وهناك منافع أخرى كثيرة لا يتيح المقام تعدادها، ولكنها لا تخفى على فطنة القارئ.
في المقابل هناك مضار للتجمع. سمنة المدن تجلب مزيدا زحام وتلوثا وضياع الوقت في الانتظار وارتفاع أسعار العقار، وهناك مضار أخرى.
ماذا يعني ما سبق؟
تتضارب عوامل تعمل على زيادة سمنة المدن وعوامل تعمل على الحد من سمنة المدن. مثلا ارتفاع أسعار العقار داء وضرر على كثيرين من جهة، وهو دواء للحد من سمنة المدن من جهة أخرى. على سبيل المثال، نعرف في بلادنا أن أسعار الأراضي في الأحياء المخدومة المأهولة بالسكان ارتفعت عدة مرات خلال السنوات الـ 20 الماضية. هذا الارتفاع كان سببا رئيسا في منع المدن الكبيرة من أن تتوسع أكثر مما توسعت. وينبغي ألا يفهم من ذلك حصر معوقات توسع المدن في هذا السبب. وتبعا لهذا المنع، امتنع عدد كبير من سكان القرى والمدن الصغيرة عن الانتقال للعيش في المدن الكبيرة. بل ربما حدثت هجرة عكسية من المدن الكبيرة إلى المدن الصغيرة والقرى.
طبعا سمنة المدن تصنع آثارا وتبعات اقتصادية غير ما سبق قوله. مستويات المهارات ومستوى النمو الاقتصادي وتوسع التقنية وخلافها كلها تتأثر إيجابيا من سمنة أو توسع المدن. ولكن أسعار المساكن تقف بالمرصاد لهذه الحسنات.
عملت دراسات عن العلاقة بين حجم المدينة وأسعار المساكن فيها.
من هذه الدراسات
House Prices, Bubbles and City Size, July 2010
By Mark J. P. M. Thissen and others.
وأعم وأوسع منها دراسة فرنسية لعدة باحثين فرنسيين أجريت عام 2011، عنوانها
The Costs of Agglomeration: Land Prices in French Cities
والترجمة: تكلفة التكتل "أو السمنة": أسعار الأراضي في المدن الفرنسية.
حاول المؤلفون تطوير طريقة لتقدير مدى مرونة تكلفة التحضر أي السكن في المدينة من زحام وارتفاع أسعار عقار وغير ذلك، مقارنة بعدد سكان المدن. أي مدى تأثر التكلفة بعدد سكان المدن. وأساس الفكرة أن التكلفة تزيد مع زيادة عدد السكان في المدينة.
استند مؤلفو الدراسة في تقدير مرونة أو مدى تأثر التكلفة إلى تقدير حصة السكن في ميزانية المستهلك. وفي هذا بذلوا جهودا كبيرة باستخدام أدوات ومعادلات تحليلية اقتصادية قياسية لا تخلو من تعقيد لتقدير تأثر السكان بأسعار الأراضي، ومقارنة ذلك بنسبة تكلفة الأراضي إلى السكن.
درس المؤلفون تأثر أجور أو رواتب الناس إلى عدد السكان في التجمعات الحضرية سواء كانت مدنا كبيرة أو صغيرة. من النتائج أن زيادة سكان المدن الصغيرة تدفع إلى زيادة الأجور بنسبة أعلى من الزيادة في أضرار السكن في تلك المدن. ولكن زيادة الأجور في المدن الكبيرة كانت أقل من زيادة أضرار السكن في تلك المدن الكبيرة. ولوحظ أن نسبة ارتفاع أسعار الأراضي أقل من نسبة ارتفاع الأجور في المدن الصغيرة، ولكنه أعلى كثيرا من نسبة ارتفاع الأجور في المدن الكبيرة.
هل يمكن الوصول إلى تقديرات للحدود الأنسب في عدد سكان المدن الكبيرة؟ يتطلب مزيد بحث.